للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

إلا بعد أن دككت المعاقل والحصون ولا عمرتهما إلا بعد أن دمرت المدن والبلاد؟

قال عفواً يا مولاي! إنني لولا كل هذا السرف والبذل في لم أكن من العوز والفاقة بالحال التي ترى!!

عباس محمود العقاد

كيف يكتب الكاتب

من فصل لأبي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ

واختر من المعاني ما لم يكن مستوراً باللفظ المنعقد مفرقاً في الإكثار والتكلف فما أكثر من لا يحفل باستهلاك المعني مع براعة اللفظ وغموضه على السامع بعد أن يتبين له القول - وما زال المعنى محجوباً لم تكشف عنه العبارة فالمعنى بعد مقيم على استخفائه وصارت العبارة لغلوا وظرفاً خالياً - وشر البلغاء من هيأ رسم المعنى قبل أن يهيء المعني عشقاً لذلك اللفظ وشغفاً بذلك الاسم حتي صار يجر إليه المعنى جراً ويلزقه به إلزاقاً حتى كأن الله تعالى لم يخلق لذلك المعني اسماً غيره ومنعه الإفصاح عنه إلا به والآفة الكبرى أن يكون ردئ الطبع بطيء اللفظ كليل الحد شيديد العجب ويكون مع ذلك حريصاً على أن يعد في البلغاء وتصفح دواوين الحكماء ليستفيد المعاني فهو على سبيل صواب ومن نظر فيها ليستفيد الألفاظ فهو على سبيل خطأ - والخسران ها هنا في وزن الربح هناك لأن من كانت غايته انتزاع الألفاظ حمله الحرص عليها والاستهتار بها إلى أن يستعملها قبل وقتها ويضعها في غير مكانها ولذلك قال بعض الشعراء لصاحبه أنا أشعر منك. قال صاحبه ولم ذاك. قال لأني أقول البيت وأخاه وأنت تقول البيت وابن عمه وإنما هي رياضة وسياحة والرفيق مصلح والآخر مفسد ولا بد مع هذين من طبيعة مناسبة - وسماع الألفاظ ضار ونافع فالوجه النافع أن تدور في مسامعه وتغيب في قلبه وتخيم في صدره فإذا طال مكثها تناكحت ثم تلاقحت وكانت نتيجتها أكرم نتيجة وثمرتها أطيب ثمرة لأنها حيئذ تخرج غير مسترقة ولا مختلسة ولا مغتصبة ولا دالة على فقر إذ لم يكن القصد إلى شيء بعينه والاعتماد عليه دون غيره - وبين الشيء إذا عشش في الصدر ثم باض ثم فرخ ثم نهض وبين أن يكون الخاطر محتالاً واللفظ اعتسافاً واغتصاباً فرق بين. ومتى اتكل صاحب البلاغة على الهوينا والوكال وعلى السرقة والاحتيال لم ينل طائلاً وشق عليه النزوع