للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

على صفحة ماء تخاله العين سبيكة لجين كأنا نجول بين سماأين فكان لذلك منظر قيد النواظر وشرك العقول تجلى لنا فيه جمال الكون وصانعه فكنت ترى السماء صافية الأديم زاهرة النجوم وكوكب الزهرة مقبلاً من ناحية المشرق يحفه الجمال والجلال فلولا التقى لقلت جلت قدرته وترى البحر كأنه مرآة مصقولة تنظر السماء فيها وجهها فكأنما الماء سماء وكأن السماء ماء وترى النوتية مجدين في التجذيف على حال لو هممت بتشبيهها بشيء حسن لاضطرك حسنها إلى رده إليها

مجاذف كالحيّات مدت رؤسها ... على وجل في الماء كي يروى الظما

كما أسرعت عدا أنامل حاسب ... بقبض وبسط يسبق العين والفما

وفيما بين ذلك تسمع فضل المدينة تغني مواليا بغدادية مؤثرة وبين يديها مزهر تقلدته أطرافها.

تميت به البابنا وقلوبنا ... مراراً وتحييهن بعد همود

إذا نطقت صحنا وصاح لنا الصدى ... صياح جنود وجهت لجنود

ظللنا بذاك الديدن اليوم كله ... كأنا من الفردوس تحت خلود

ومضى على ذلك ثلاثة أيام بلياليها كنا من أوقاتها في بلهنية من العيش وغفلة عن أعين الدهر ووصال أخضر ونعمى لا يشوبها بؤس ولا كدر فلما كان اليوم الرابع ولا كان هبت علينا ريح عاصف رمتنا بها الأقدار من حيث لا ندري فأرغى البحر وأزبد وأبرق وأرعد وتلاطمت الأمواج واهتاجت أيما اهتياج وصار بها لعمري مثل الجنون وتراءت في صورها المنون.

وقد فغر الحمام هناك فاه ... وأتلع جيده الأجل المتاح

فانقلب يسرنا عسراً وأدال الله من الحلو مراً وعظم الخطب وعم الكرب ونحن في ذلك قعود كدود على عود وقد نبت بنا من القلق أمكنتنا وخرست من الفرق ألسنتنا وتوهمنا أنه ليس في الوجود أغوار ولا نجود إلا السماء والماء وذلك السفين ومن في قبر جوفه دفين.

البحر صعب المرام جداً ... لا جعلت حاجتي إليه

أليس ماء ونحن طين ... فما عسى صبرنا عليه

ولبثنا على هذه الحال من ظهر اليوم الرابع إلى سحره وبعد ذلك فترت الحال بعض فتور