للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم جاءت ريح رخاء زجت السفينة إلى بر جزيرة أقريطش (كريد) أهنأ تزجية وأخذنا نسير في محاذاتها فما كان إلا كلا ولا حتى وصلنا على مدينة الخندق (كندية) إحدى مدنها ومرافئها العظيمة فارسينا بها ريثما نشتري منها ما يعوزنا من الخبز واللحم والماء والفاكهة.

اقريطش

وهذه الجزيرة من جزر المغرب الكبيرة فيها مدن وقرى كثير يقابلها من بر أفريقية لوبيا وجميع سكانها الآن مسلمون وأميرها يسمي عبد العزيز بن شعيب من ولد أبي حفص البلوطي الأندلسي وذلك فيما علمت أن الحكم بن هشام أمير الأندلس كان قد أمعن صدر ولايته في اللذات فاجتمع أهل العلم والورع بقرطبة مثل يحيى بن يحيى الليثي صاحب مالك واحد رواة الموطأ عنه وطالوت الفقيه وغيرهما فنقموا عليه وثاروا به وبايعوا بعض قرابته وكانوا بالربض الغربي من قرطبة - محلة متصلة بقصره - فقاتلهم الحكم واستلحمهم وهدم ديارهم ومساجدهم فلحقوا بفاس من أرض العدوة وبالاسكندرية - وبعد أن أقاموا في الإسكندرية حيناً من الدهر تلاحى رجل منهم مع جزار من سوقها فنادوا بالثار واستلحموا كثيرا من أهل البلد وأخرجوا بقيتهم وامتنعوا بها وولوا عليهم أبا حفص عمر بن شعيب البلوطي ويعرف بأبي الفيض من أهل قرية مطروح من عمل فحص البلوط المجاور لقرطبة فقام برياستهم وكان على مصر يومئذ عبد الله بن طاهر من جهة المأمون فزحف إليهم وحصرهم بالإسكندرية فاستأمنوا له فأمنهم وبعثهم إلى هذه الجزيرة (أقريطش) فعمروها وأضاؤها بنور الإسلام وشيدوا بها المعاقل والحصون والمدن العظيمة مثل الخندق التي اشترينا منها خبزنا ولحمنا وبهرنا ما رأينا فيها من حضارة العرب وعز الإسلام ولم يزل أميرها إلى اليوم وهو سنة خمس وأربعين وثلاثمائة من ولد أبي حفص البلوطي وهو الأمير عبد العزيز بن شعيب أدام الله ملكه وأبعد عنه كيد الأعداء.

ولما أقلعنا عن بر جزيرة أقريطش أسعدت الريح وأصحت السماء ونام عنا البحر وأخذت السفينة تشق اليم شق الجلم وأخذنا في سمت جزيرة صقلية وما زلنا حتى قطعنا سبعمائة ميل في مدى أربعة أيام بلياليها وقار بنا صقلية وسرنا منها أدنى ظلم (قريبين جدا) فأخذت أعيننا أشباحاً كالأعلام تسير على وجه الماء تنضم إلى بعضها تارة وتنصاع أخري