للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فتساءلنا فقيل لنا أن هذا أسطول المعز لدين الله أبي تميم معد العبيدي يغدو ويروح بين صقلية وبين قلورية (كلابره) من بر الأرض الكبيرة (أوروبا) فانتشى من هذا المنظر تاجر مغربي أديب من أهل المهدية نزل معنا من أقريطش بنية الوفود إلى صقلية وأخذت منه هزة الطرب حين رأى أسطول بلده ورفع عقيرته قائلاً لله أبو القاسم محمد الأندلسي شاعر المعز لكأنه يرى ما يرى الآن حين يقول في هذا الأسطول:

أما والجوار المنشآت التي سرت ... لقد ظاهرتها عدة وعديد

قبابٌ كما ترحني القباب على المها ... ولكن من ضمت عليه أسود

ولله مما لا يرون كتائب ... مسومة يجدى بها وجنود

أطال لها أن الملائك خلفها ... كما وقفت خلف الصفوف ردود

وإن الرياح الذاريات كتائب ... وإن النجوم الطالعات سعود

عليها غمامٌ مكفهر صبيره ... له بارقات جمة ورعود

مواخر في طامي العباب كأنه ... لعزمك بأس أو لكفك جود

أناخت به آطامها وسما بها ... بناء على غير العراء مشيد

ولي بأعلى كبكب وهو شاهق ... وليس من الصفاح وهو صلود

من الراسيات الشم لولا انتقالها ... فمنها متان شمخ وريود

من القادحات النار تضرم بالصلى ... فليس لها يوم اللقاء خمود

إذا زفرت غيظاً ترامت بمارج ... كما شب من نار الجحيم وقود

تعانق موج البحر حتى كأنه ... سليط له فيه الذبال عتيد

ترى الماء منه وهو قان خضابه ... كما باشرت ردع الخلوق جلود

فأنفاسهن الحاميات صواعق ... وأفواههن الزافرات حديد

يشب لآل الجاثليق سعيرها ... وما هي عن آل الطرير بعيد

لها شعل فوق الغمام كأنها ... دماء تلاقتها ملاحف سود

وعين المذاكي نحرها غير أنها ... مسومة تحت الفوارس قود

فليس لها إلا الرياح أعنة ... وليس لها الحبال كديد

ترى كل قوداء التليل كما انثنت ... سوالف غيد أعرضت وخدود