والمفكرون في طبقة أسمى من الحياة نفسها التي تحوطهم، بل يجب أن تكون لهم لغة غير لغة الناس، لأن لهم أذهاناً أصفى من أذهان الناس، وليس في لغة الحياة الحاضرة شيء يصح أن نأخذه عنها ونقتطفه ليكون تطرية لأساليب الأدب، وزينة للكتابة والشعر، وأكبر دليل على فساد لغة الأسواق ما نسمعه من الأغاني والألحان التي تجري اليوم على ألسنة الرجال والنساء والولدان في الأزقة والطرق، فهي لا تكاد ترتفع في معانيها وأصولها عن الأغاني الشائعة بين الزنوج سكنة الأحراش والجبال، وهي لا تمت إلى الشعر بسبب، مع أن الغناء في الجمعيات المهذبة المتحضرة لا يزال ضرباً من أرقى ضروب الشعر، وهو لديهم من أسمى فروع الأدب.
ونحن الكتاب والشعراء أخلق بأن نرتفع بالناس لا أن نسقط إليهم وننزل على حكمهم، لأن الطفل الذي تسمح له بأن تجارية وتكفل له جميع ما يريده حقاً وباطلاً لا تلبث أن تفسده عليك وتفسده على نفسه، فلا تستطيع له بعد ذلك إصلاحاً، ولا تجد لك إلى تهذيبه سبيلاً، ولا ترى لك عليه من سلطان.
هذا ولعل لطفي بك سيخرج بعد الآن من معتزله، وينطلق من ركوده، ولعل في هذا باعثاً له على الرجوع إلى تذكير الناس به قبل أن ينسوه كما نسيهم، وما نسيان الشعوب إلا أكبر عقوبة للذين يعتزلون الجهاد من أجلهم.
هذا ما نسوقه اليوم توطئة للكلام عن أسلوب أحمد مصطفى بك السيد وتحليل مبادئه الفلسفية وبسط رأينا في أدبه، وفي المجمع اللغوي، في العدد القادم إن شاء الله.