صغير واحد من ثمرات ذهن أناتول فرانس نفسه وليست المدارس هي كل ما يمد الحياة بل ليست إلا حظائر لتربية العاديين، وتهذيب القطيع الإنساني وإعداده للحياة العمومية الهادئة.
ولقد يظن أحمد بك لطفي السيد أنه لا يزال إلى اليوم يذكر الناس ويحف بتهذيبهم ويفكر في شؤونهم ويعمل على ترقية آدابهم، بهذا المجمع اللغوي الذي ينتدى في دار الكتب الفينة بعد الفينة ليصل ما بين مبتكرات الحياة الجديدة وبين لغة العرب وينقذ الأساليب الكتابية من العجمة التي أبت مدنية اليوم إلا أن نرضى بها في الحياة وفي اللغة كارهين، ولكنا نعلم أن هذا المجمع اللغوي لم يحدث منذ تألف أثرا، وما نظنه محدثه، وأعجب من ذلك أن يأتي مبدأ المجمع اللغوي الآن فينسخ مبدأ المصرية في اللغة الذي كان يجري من قبل في ذهنه ويصر عليه، ويناضل عنه، ويفسد به أساليبه السلسة المائية العذبة ليبدي للقراء أنه قد أنفذ فكرته على رغم أنوفهم، ولعمري أن تغيير المبادئ بهذه السرعة أمر يبعث على الدهشة ويدعو إلى الريبة وما نعلم له شبيهاً في كتاب الغرب وعلمائه وفلاسفته، بل رأينا الكاتب منهم يطرد في مبدأ واحد، فلا يزال يجري به إلى الأبد، حتى يعرض به يوم يعرض الناس جميعاً.
ولكنا بعد نقول أن عدوله الآن عن مبدأ اللغة المصري أجدى عليه، وخير لقرائه الذين يتعشقون أسلوبه، لأنه كان يتخلل كتابته فيذهب بجمالها، وينغص على القارئ ويفسد الأثر الذي تحدثه الفكرة المبسوطة أمامه، إذ كانت تبدو عليها دلائل التكلف، وإنها جيء بها عمداً، وسيقت من الكاتب سوقاً، لتنفيذ مبدأ يحاول الإصرار عليه على فساده ويجتهد في التمادي فيه على باطله، وأنت تعلم أن لطفي بك كاتب شاعر تتدفق أفكار المثل الأعلى في جميع ما يكتب، وإنه من الكتاب الذين يبحثون عن الكمال الإنساني في الحياة، وهذا ولا ريب ينبغي له أسلوب فاتن وعبارة مونقة رائعة حتى يستأثر بالقلوب، ويستهوي الأذهان، وإذا أنت التمست ذلك من أساليب الشارع، وافتقدته في لغة السوق، وطلبت شيئاً منه من أفواه العجائز، فما أنت واقع إلا على أحط صورة من صور الأذهان، لأن لغة الحياة العمومية لا تزال تحمل جميع أعراض الحقارة التي لا يخلو منها عنصر واحد من العناصر الأولى المكونة لحياتنا الحاضرة، ولا بد مع ذلك أن يكون الكتاب والشعراء