للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

نافعاً، إن اشتغالي بصناعتين في آن واحد يجعلني باعتبار كوني ضابطاً في مركز استثنائي، أليس كذلك؟

إذن فعفواً ومغفرة إذا أنا التمست إليك أن تعاملني معاملة استثنائية رحيمة لينة، إنني أقبل بفرح بل بفخر وزهو أي وظيفة تدنيني من خطوط النيران، ولو وظيفة ضئيلة تافهة، وظيفة دون مقام القصب الذي فوق سترتي.

فإذا عز ذلك فهل لي أن أعين بصفة إضافية في سفينة يكون لها الحظ في شهود القتال الحقيقي، إني أؤكد لك سأجد إذ ذلك سبيلاً إلى تأدية عمل نافع، أما إذا نهضت في سبيل إنفاذ ذلك القوانين والصعوبات فهل في الإمكان أن تهبني يا سيدي - في المدة التي سأظل فيها في ارتقاب الدعوة إلى خدمة الاسطول - حرية الذهاب هنا وهناك حتى أحاول أن أجد أي عمل أعمله، ولو في الإسعاف.

إن مركزي حرج، ولن يدرك أحد ولن يصدقوا أنني كبتن في رديف البحرية وإن ذلك يلزمني أن أبقى ساكناً، وفرنسا كلها مدججة بالسلاح.

جوليان فيود

العصفوران الصغيران

ذات مساء وقف قطار مزدحم بالمهاجرين من البلجيك بمحطة من محطات أحد البلاد الجنوبية في فرنسا، فنزل الشهداء المساكين في أثر بعضهم البعض، وهم زائغو الأبصار ذابلو الوجوه، إلى الافريز الغريب عليهم، حيث كان جمع من الفرنسيين ينتظرون مقدمهم للتأهيل بهم، وكانوا يحملون متاعاً صغيراً من الثياب التقطوها ولا ريب في عجلة، وكان في الجمع أصبية كثيرون، بين بنات وفتيان وولدان فقدوا آباءهم في النيران والمجزرة، وإلى جانبهم عجائز وجدات أصبحن وحيدات في العالم إذ هربن وهن لا يعرفن السبب، غير متشبثات بالحياة، وإنما مدفوعات بإحساس خفي غريب وهو حفظ الذات، وكانت وجوه هذه السيدات الطاعنات في الأسنان لا تنم عن أي تأثير أو انفعال ولا يبدو في صفحتها دليل من الحزن أو اليأس كأنما قد فارقت أرواحهن جسومهن وتولت عن أدمغتهن ألبابهن.

وفي غمار هذا الجمع الحزين طفلان في بواكر العهد بالحياة، يمسك كل بيده يد صاحبه،