للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إلى داري وكان في أشد حالات الانفعال والغضب، فجلس فوق متكأ وعيناه مفعمتان بالدمع وانطلق بشرح لي مظالمه وشكواه حقاً وباطلاً، وأضاف على ذلك قائلاً: وأنت وحدك الذي له النفوذ التام على هؤلاء الملاعين فأرجوك أن تتداخل في المفاوضات، فلم يسعني إذ ذاك إلا القبول.

وابتدأت المفاوضات بعد ذلك بساعة فظل الحفيظ في داري طول ذلك اليوم، ورفض أن يأكل أو يشرب.

وفي غيابي عند المفوضين انصرف الحفيظ، ولكنه لم ينصرف حتى أخذ معه صفوة المنتخبات العربية الخطية التي كنت أحفظها في مكتبتي، ولم أرها منذ ذلك الحين، ولكن السلطان أرسل إليّ بعدها هدية في مساء ذلك اليوم، لعلها مقابل ما أخذه من كتبي، وهذه الهدية سيف مرصع بالذهب.

والمسألة الهامة من هذه الشروط هي ديونه وقد ثار حولها الخلاف أياماً، إذ كان الاتفاق في أول الأمر على أن جميع الديون التي صرفت في شؤون المملكة يجب أن تعد ديوناً حكومية وعلى فرنسا أن تدفعها إلى أربابها، وأما الديون الخصوصية فعلى السلطان المخلوع أن يدفعها من أمواله الخاصة، ولكن كان من الصعب التمييز بين هذه الديون لأن سلطان مراكش كان ملكاً مستقلاً مطلق التصرف، وأموال المملكة هي أمواله، وليس ثمة فارق بين دين خصوصي ودين عمومي، بل كانت العادة المتبعة في الصرف على شؤون الحكومة والبلاط السلطاني أن تكتب بها صكوك على الجمارك.

فمن بين الديون التي اشتد فيها أمر الخلاف ثمن سلالم من الرخام البديع كان السلطان قد أمر بصنعها لقصره بفأس في إيطاليا، فاحتج المفوضون بأن هذه السلالم ليست إلا مطلباً من مطالب السلطان ولهذا يقوم هو بدفع ثمنها، ولكن السلطان أصر على أن القصر هو ملك الحكومة، وأن جميع ما يطرأ عليه من الإصلاح يعود نفعه إليها، وقال أن خلفه هو الخليق بأن يدفع ثمن هذه السلالم لأنه سينتفع بها، فأذعنت السلطة المحتلة إلى عدل هذه الحجة، ودفعت الثمن، ولكن الموضوع لم ينته بعد، فإن الحفيظ بعد بضعة أشهر من ذلك العهد إذ كان يبرم إذ ذاك عقداً لبناء قصره الجديد بطنجة وضع في صورة البناء رسماً لسلم من الرخام، فاجترأت على أن أسأله إذا كانت هي السلالم التي كان عليها النزاع من