قبل فكان جواب الحفيظ، أجل هي بعينها، إنها لم تكن قد خرجت من إيطاليا إذ ذاك فأرسلت نبأ برقياً إلى المصنع الذي كان يعدها بأن يبعث بها في الحال إليّ لا إلى فاس، وكان ذلك!
ويتلو هذا المطلب مطلب آخر وهو ثمن بضعة أمتار من القماش الأحمر غالية الثمن باهظة القيمة، فلم يسع المفوضون إلا أن يضعوا ثمنها في قائمة الديون الخصوصية، ولكن السلطان احتج قائلاً أن هذا القماش اشترى لأجل شؤون المملكة، لنصنع به سراويل لجواري المطبخ السلطاني، والمطبخ السلطاني يحوي مئات منهن لأجل إعداد الطعام للملك، فرفضت السلطة المحتلة قبول هذا الدين، فأخرج السلطان حجة أثرية ليدل بها على أن جواري المطبخ هن من خدم الحكومة وأنهن ينتقلن مع القصر من حوزة سلطان إلى سلطان فأذعنت السلطة إلى هذا المبدأ، ولكنها أصرت على رفض الدين بحجة أن هؤلاء الجواري لا يطلبن مثل هذا القماش الثمين الباهظ القيمة لأثوابهن الداخلية، وإن قماشاً من القطن كان يغني عن هذا الترف ويفي بالغرض، فلم يكن من السلطان المخلوع إلا أن أجابهم جواباً مسكتاً بقوله، يمكن أن يكون ذلك في أوروبا ولعل جواري المطبخ الملكي هناك يلبسن سراويل من القطن، ولكنا في مراكش نعظم مركزهن!! فلم يحر المفوضون جواباً، ودفع الثمن.
وأصعب المشكلات التي عرضت عند تصفية الديون مسألة طبيب أسنان السلطان المخلوع، وهو إسباني الجنسية، لأنها كادت تحدث مشكلة دولية، ولا يذهب بك الظن إلى أن الدين الذي كان يطالب به هذا الطبيب كان خاصاً بصناعته، ولكن كان ذلك إفاء لثمن أسد اشتراه للسلطان من ألمانيا، وقد كان تعبينه في أوائل عهد السلطان الحفيظ وبالحكم بماهية منتظمة ثم أصبح دائماً في بلاط جلالته، وظل مدة يصلح من أسنان البلاط ويداوي أفواه سيدات القصر حتى أصبحت نواجذهن تلمع بالأسنان الذهبية فما انتهى من هذه المهمة ظل بلا عمل.
فأوفده الحفيظ إلى هامبورج ليشتري حيوانات له يحفظها في حدائقه، ولكن الطبيب أخطأ إذ تأخر لأنه حين عاد إلى فاس، كان شوق السلطان المخلوع إلى الأسد قد انطفأ ورأى أن لا حاجة به إلى اقتناء كثير من الحيوانات لأنها تستلزم مصاريف باهظة.