للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد زاد الأمر إشكالاً وحال دون فضه أن الحفيظ كان قد رأى من قبل عند الطبيب كرسيه المهتز فطلب إليه أن يصنع له عرشاً هزازاً على قواعده الآلية ودفع إليه الثمن، ولكن العرش لم يتم ولم يقدم للحفيظ ولهذا كان هو الآخر يدين الطبيب كما دانه فاحتج السلطان بأنه قد دفع ولا شك ثمن الأسد وإذا لم يكن قد دفع، فهو ولا ريب دين عمومي، ولم يكن عليه مسؤولاً، وطلب تسليم العرش الهزاز إليه، وفي ذلك الوقت كان عقد خدمة الطبيب قد انتهى فأعلنه الحفيظ بأن ليس في النية تجديده، ولكن كان الطبيب لا يزال يستطيع المناوءة والعناد، إذ كان السلطان قد أسكنه مغنى جميلاً في أملاكه دون أجر فرفض ترك الدار وإعانته السلطة الإسبانية على أمره، فلما بعث السلطان بطائفة من العبيد لطرده من البيت وجدوا الدار محاصرة بالمتاريس، وألفوا الرصاص ينهال عليهم من كل مكان.

وهنا استفحل الأمر، وعظم الخطب، وكاد يصل إلى مشكلة دولية.

ولكن لم تلبث توسلاتي ومفاوضاتي أن ذهبت بثورة العاصفة، ورضي السلطان بأن يمثل الطبيب بين يديه للمهادنة والمفاوضة، وكان السلطان جالساً في ديوانه، ممعناً في قراءة كتاب عندما دخل الطبيب، فأدى السلام وحياه بأدب ولكن بشيء من التكلف والمغالبة، ولعل ذلك لم يرض جلالته لم يبتسم له، كما كان اتفاقي معه، ولم يجبه على تحيته بل استرسل في قراءته بصوت مترنم مجود متظاهراً بعدم الالتفات.

وساد السكوت قليلاً، ولكنه لم يلبث أن تبدد إذ قال أحد الحاشية: مولاي الملك هاهو الطبيب قد حضر.

فلم يكن من السلطان إلا أن قال، دون أن يرفع عينه عن الكتاب، هل أحضر المقعد معه؟

ولم يكن هذا ما اتفقت عليه معه، إذ طلبت إليه من قبل أن لا يذكر كلمة عن الكراسي ولا عن الأسد بل كان الغرض من هذا اللقاء مفاوضة الطبيب في ترك البيت على أن يأخذ مقداراً من المال.

وقبل أن يتوسط أحد في الحديث، لم يكن من الطبيب إلا أن صرخ قائلاً: ادفع لي ثمن أسدي.

وعند ذلك اشتعلت نار الحديث، وانطلق السلطان في غضبه ولعناته، ولم ألبث أن رأيت الطبيب في أيدي الخدم والحاشية يتململ ويتلاكم ويتضارب، وقد حملوه على هذه الصورة