للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقوله:

خفض أبا الصقر فكم طائر ... خر سريعاً بعد تحليق

زوجت نعمى لم تكن كفأها ... فصانها الله بتطليق

لا قدست نعمى تسربلتها ... كم حجة فيها لزنديق

وهاك حديث شاعر آخر يشبه حديث ابن الرومي

حدث أبو العيناء قال: كان عيسى بن فرخان شاه يتيه على في ولايته الوزارة فلما عزل وهبني، فلقيني فسلم علي فأحفى فقلت لغلامي من هذا؟ قال أبو موسى، فدنوت منه، وقلت أعزك الله والله لقد كنت أقنع بإيمائك دون بيانك، وبلحظك دون لفظك، فالحمدلله على ما آلت إليه حالك، فلئن كانت أخطأت فيك النعمة فلقد أصابت منك النقمة ولئن كانت الدنيا أبدت مقابحها بالإقبال عليك لقد أظهرت محاسنها بالانصراف عنك ولله المنة إذ أغنانا من الكذب عليك ونزهنا عن قول الزور فيك فقد والله أسأت حمل النعم وما شكرت حق المنعم.

وهذا أبو العيناء - واسمه محمد بن القاسم - كان ضريراً، وكان أديباً شاعراً وكان من أحفظ الناس وأفصحهم لساناً وأحضرهم بديهة، وكان من ظرفاء العالم له نوادر مستملحة مع الخلفاء والوزراء ومن إليهم نورد شيئاً منها تفكهة للقراء، حدث الرواة قالوا: حضر أبو العيناء يوماً مجلس بعض الوزراء فتفاوضوا حديث البرامكة وكرمهم فقال الوزير لأبي العيناء - وكان قد بالغ في وصفهم وما كانوا عليه من البذل والأفضال - قد أكثرت من ذكرهم ووصفك إياهم، وإنما هذا تصنيف الوراقين وكذب المؤلفين، فقال له أبو العيناء فلم لا يكذب الوراقون عليك أيها الوزير، فسكت الوزير وعجب الحاضرون من إقدامه على ذلك، ووقف عليه رجل من العامة فلما أحس به قال من هذا، قال رجل من بني آدم فقال أبو العيناء مرحباً بك أطال الله بقاءك ما كنت أظن هذا النسل إلا قد انقطع، ومر يوماً بباب عبد الله بن منصور وهو مريض وقد أبل فقال لغلامه كيف خبره فقال كما تحب فقال فمالي لا أسمع الصراخ عليه، ودخل على المتوكل في قصره المعروف بالجعفري فقال له ما تقول في دارنا هذه فقال إن الناس بنوا الدور في الدنيا وأنت بنيت الدنيا في دارك ثم قال له: كيف شربك الخمر فقال أعجز عن قليله وأفتضح عند كثيره فقال له دع هذا عنك ونادمنا فقال أنا رجل مكفوف وكل من في مجلسك يخدمك وأنا محتاج أن أخدم ولست آمن