للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

القديم فلا أقع عليه.

ومال بنا الحديث إلى موضوعات أقل أهمية، وإذ بنا بغتة نجدنا في الحديث عن ألمانيا، ولعل العاطفة الأولى السائدة في جوانحها هي الدهشة، دهشة أليمة تامة كبرى.

قالت في صوت متهدج: إنهم قد تغيروا ولا ريب، واستحال خلقهم القديم إلى خلق جديد، إنهم لم يكونوا كذلك من قبل، لقد كان ولي العهد - وأنا أعرفه منذ عهد الطفولة - شاباً رقيق العاطفة، ولم يكن في خلقه ما يبعث الإنسان على توقع. . . . . وهناك أمسكت عن الحديث ثم عادت تقول:

ولقد حاولت أن أجد السبب، وأنا أفكر الليل والنهار، فلا أستطيع لهذا فهما كلا، كلا، لم يكونوا كذلك من قبل، هذا لا ريب عندي فيه.

ولكني كنت أعلم أنهم كذلك أولاً وآخراً، وقديماً وحديثاً، على أنني لم أشأ أن أعارض الملكة وهي قد نشأت بين ظهرانيهم، كالزهرة الحسناء بين العوسج.

وساد السكون بيننا لحظة، ثم تذكرت أن الملكة أميرة بافارية فاجترأت على أن أذكرها بأن البافاريين في الجيش الألماني محزونون عليها متألمون لألمها، ولكن الملكة رفعت يدها عن ثوبها وأشارت إليّ إشارة نهائية خاتمة، وقالت في صوت منخفض، الجملة الآتية وقد وقعت في صميم ذلك السكون كأنها كلمة لا نقض فيه ولا إبرام:

لقد انتهى بيننا كل شيء، لقد ضربت بيني وبينهم أستار من حديد لن ترفع آخر الحياة!.

ولعل الذكرى أهاجت بفؤادها ذكريات أخرى، عن عهود طفولتها وأيام شبيبتها والزمن الناضر الذي قضته بينهم، وإذا بالعينين الزرقاوين قد تحدرت منهما دمعة فأشحت بوجهي جانباً حتى لا يلوح لها أنني قد لمحت بكاءها. . . بيرلوتي