للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فقل تأثيراً لونياً، منظر ثوب أزرق، وعينين زرقاوين تسطعان كنجمين متألقين، ثم إذ هدأ اضطرابي وزال زيغ بصري، تبينت أمامي مظهراً رائعاً من مظاهر الشباب، وكأنها لما تتجاوز الرابعة والعشرين وقد كنت أعلم من الصور العديدة التي شهدتها، تلك الصور التي قلما تصدق الخبر عن الصورة الحية، إن الملكة ممشوقة القذ مشذبته، ولكن الملكة على العكس ربعة القوام، ذات وجه صغير مستدير، وتقاطيع نهاية في الرقة، وجه أثيري، من الرقة واللطف بحيث لا يكاد يبين ضوءه بجانب تلك العينين الصافيتي الزجاجة، كفيروزتين شفافتين تنمان عما وراءهما، حتى لكأنك إذ ترى الملكة وأنت تجهل أمرها وحقيقتها والعظائم التي قامت بها، ستصبح في نفسك من ترى تكون هذه المرأة صاحبة هاتين العينين إنها ولا ريب امرأة سامية المكانة تحلق في جواء الرفعة تنظر بهما لا وجل ولا خوف إلى وجه الحتوف، وإزاء الأخطار والموت!. .

وأنت تعلم أن حديثاً مع ملكة لا يجري إلا مع رغبتها وفي المناحي التي تنبعث هي فيها، ولذلك انطلقت الملكة في أول الحديث تجاذبني أطراف الحديث كثيرة وموضوعات متعددة، آية رقة المحضر، وعذوبة الخاطر، كأنما لم يكن يجري في العالم تلك الأحداث المخيفة، والنكبات المفزعة.

فتحدثنا عن الشرق، وكان كل منا قد جاب بلاده، وأكثر فيه التطواف ثم تكلمنا عن الكتب التي قرأتها، كأننا قد نسينا المأساة الكبرى القائمة في الكون، أو كأننا قد غاب عنا أن وادي الخوف يحف بنا، وأن الأرض التي في جوارنا أصبحت مغطاة بالأطلال والموتى.

وكأن الملكة قد استشعرت شيئاً من الثقة بعد هذه الأحاديث، فطفقت تكلمني عن تخريب ايبرس وفرني وغيرها، وهي البلاد التي جزتها في طريقي إلى الملكة وإذا بي أرى غمامة صغيرة قد بدت في تينكم العينين الزرقاوين، على الرغم من المغالبة الشديدة.

قلت. . ولكن يا سيدتي، لا تزال هناك منها جدران باقية لم تنقض، وقد نستطيع أن نقيم هذه الجدر ونكمل المنهدم منها، فتعود سيرتها الأولى، وسيسهل ذلك في الأيام البيضاء التي سيجيء بها المستقبل.

فأجابت: آه، أتعني أننا مستطيعون أن نعيد بناءها، أجل بلا ريب نستطيع أن نعيد البناء ولكنها ستروح تقليداً لا غير، وإذ ذاك تفقد الروح الأثرية التي كانت لها، وسألتمس جلالها