الكتّاب، ولسنا نجري في سبيل من التفكير محدودة، ولا نجد وجهة في الحياة معينة، بل لا نزال نضطرب في أودية متشعبة، وراء كتّاب مجيدين، ولكنهم كما قلنا لم يؤتوا الأداة الرافعة التي تسمو بالقواد والأبطال، فنحن نصفق لمطلع كتاب حلو الأسلوب كما نهلل لمقال رائع الديباجة، ولكن كتاباً حلوة بأساليبه لا يغني شيئاً عن ظمأ النفوس إلى قائد مفكر، ولا يرد حاجة الشعب إلى أن يكون مقوداً، وقد يخرج ألف كتاب ممتع، فلا يكون منها إلا أن تزيد الناس حيرة في أمر حياتهم، وتضليلاً عن الطريق القويم، ولسنا نحتاج إلى كتب قدر احتياجنا إلى ذلك القائد، وإن لم يضع في حياته كتاباً، فقد كان قاسم أمين قائداً كاتباً مفكراً، فاستطاع بكتابين صغيرين أن يهتاج الأذهان ويثير التفكير ويفتح مغاليق الحياة الصحيحة الواجبة.
هذا وقد كان لنا في أحمد لطفي بك السيد نصف قائد، لأنه لم يرتفع إلى مصاف القيادة الكاملة، وكانت الطبيعة نصبته لتنوير الأذهان ارتقاباً لمطلع الرجل العظيم الذي تهيئه للأجيال القادمة، فمنحته أشياء، وأمسكت عنه أشياء، فظل معلقاً ترتفع به مواهبه حيناً، وتكاد تسقط به المزايا التي تنقصه حيناً آخر، فهو لم يؤت تلك العظمة النفسية التي لا بد للقواد منها، ولم يصب من يد القوة الإلهية تلك الشخصية الكبيرة التي تحرك الناس كما تحرك اليد لعباً من الخشب، ولم يملك الإرادة الصلبة التي تصرع الأحداث وتخرج من صراعها أقوى منها إذ بدأته، بل لقد اضطرب في مواقف كثيرة كان يستطيع أي رجل من أقوياء الإرادة أن يثبت أمامها، ووضع فكرة في يومه، ثم جاء فنسخها في غده، وهذه جميعاً ليست من شأن القواد، لأن الإرادة العظيمة لا يختلجها خالجة من الترددات أو الوساوس أو التقلبات، لأنها تنبع دليلين قويين الذهن الخصيب والنفس المطمئنة.
وقد كان قاسم أمين عظيماً في نفسه وكان فتحي زغلول كذلك، ولكن لطفي بك السيد دونهما في هذه العظمة، لأنه يعيش بروح رجل متوسط، وذهن رجل ذكي متوقد، ومن هذه المناقضة الغريبة في التركيب كثيراً ما يصطدم ذكاء ذهنه بعادية روحه، فيغلب الذهن يوماً، وقد تهزم الروح الذكاء حيناً، لأنها أعمق أثراً في الإنسان من ذهنه.
ويلوح لنا أن أحمد بك لطفي السيد لم يقرأ كثيراً ولم يتوغل في الاطلاع، واكتفى بقراءة القديم، ولم يبعد في البحث عن الآراء الجديدة، ولم يقف هنيهة ليلقي نظرة طويلة إلى