الأفكار المتعددة المناحي التي تسوق الحياة اليوم، ولعله أخذ أكثر العلم عن مونتان ومنه استمد روح التفكير المنطقي، والنزعة السفسطائية، فقد كان مونتان نبي السفسطائية، وكان غريب المنطق والتدليل.
وقد يذهب بخاطرك أن الرجل ذا الذهن الخصب القوي التربة قد يلقي جميع كتب الدنيا جانباً، ويكتفي بأن يظهر إلى الناس الصور الجميلة التي تلوح في مخيلته، إن حاجته إلى قراءة أذهان غيره تذوب ضئيلة أمام القوة التي لا تنفك تخرج من ذهنه في كل حين أثراً مبتكراً جديداً، ولكن الطبيعة تخشى أن تجعل لكل مفكر ذهناً إلهياً على غراره، يعيش بنفسه، ولا يستمد أكثر قوته من غيره، لئلا يضطرب نظام التفكير في الكون، ولا يسمع العظيم صوت العظيم، بل أرادت أن يكون العلم والفكر في الحياة متسلسلاً وأن يكون الذهن وليد الذهن، والفكر مبعث الفكر، وبذلك نما الذهن الإنساني فكان من نمائه ما نرى اليوم من ألوف النظريات والفلسفات ولو لم يقرأ هربرت سبنسر برليوز ورابليه وروسو قبل أن يتصدى لكتابه في التربية، لخرج الكتاب ناقصاً غير ممتع، وإن كان لا يزال يحتوي عظمة سبنسر وذكاءه.
ولعل هذا هو السبب الذي جعل تفكير لطفي بك وخواطره لا تزال تبدو عليها مظاهر البساطة الأولى التي تكون للماس إذ يخرج من أحافير الأرض، فلا يزال يتطلب الصقل والتهذيب واللمعة الزجاجية الشفافية.
وليس للطفي بك مبادئ فلسفية معينة وقواعد فكرية معروفة، فقد مر بجميع المذاهب العصرية السارية في أذهان أكبر رجال الفكر فلم تستوقفه أحدها، ولم يعج على شيء منها، ولم يقصر ذهنه على إشاعة مذهب واحد في بلاده، ولم يقف جهده وحياته للنضح عن فكرة فلسفية جديدة، بل كل ما نعلمه عنه أنه ذهب في حياته العمومية الماضية إلى جملة من المذاهب الخاصة، التي أخلق بها أن تسمى مبادئ سياسية، من أن نطلق عليها مبادئ فكرية، لأنها لم تحتج إلى شيء كثير من الفكر، ككل المبادئ السياسية اليومية التي تخطر في خلد الكاتب الصحفي، ثم لا ينى الزمن يثبت بعضها ويمحو بعضاً، فإن المصرية في اللغة ووزارة معارف أهلية، والاستقلال والانفراد عن العصبية الدينية، والعض بالنواجذ على العصبية الجنسية، وما إلى هذه المبادئ التي أكثر لطفي بك من الكلام عنها، وخابت