الحين إلى الحين بضع هنيهات على مقربة مني وفي مجلسي ولا تطلب أكثر من ذلك، وقد أقسمت لي بشرف رجل عسكري أن ذلك يكفي لكي يجعلك أسعد ضباط فرنسا بأسرها.
وأنا عليمة يا سيدي أنك ولا ريب قد حكمت عليّ سوءاً ورميتني بفساد التربية إذ لم أجب بسطر واحد على صفحاتك الأربع، ولكن ماذا تريد غير ذلك مني، لطالما تلقيت أشباهاً لهذه الرسائل ونظائر، ولم يكن لها من تأويل عندي إلا هذه الفكرة إن هذه القينة قد تستمال، إنني رجل شاب، ولست غنياً، فعلام الخوف ولا جزف ثمة ولا مخاطرة، لنجرب!. . . .
فلم أرد على رسالتك، فرحت تكتب إليّ غداة كل يوم رسالة، وجعلت أتلهى في الصباح بتصفحها من المطلع إلى الخاتمة، وكانت رسالتك كل يوم تبدو أقل احتراماً في لهجتها وتهيباً، وأكثر حرارة وولعاً وتوقد، وجعلت تقول أنك تعرف السبب الذي من أجله أصد عنك وأعرض، ذاهباً إلى أن ضابطاً في المدفعية ليس شيئاً مذكوراً وليس رجلاً مثرياً. . . ولكنك أردفت ذلك بقولك إنك خليق بالعناية وإنك أرفع من هذا قدراً، لأنك انحدرت من أصلاب أسرة شريفة في الريف، وإنها لاتزال على شيء من الخير والرزق وأنك ستصبح معلماً ذات يوم، وهي مكانة سامية، إلا إذا كنت أنا أفضل أن تظل في الخدمة العسكرية لكي تصبح ضابطاً عظيماً.
فماذا تظنني أجيبك على هذا، إني أسألك ذلك وألتمسه إليك، كان هناك في الإمكان جواب واحد، أليس كذلك، وهو يتلخص في هذه الألفاظ إنني أرتقبك في هذا المساء!
ولكني لم أكن أريد ذلك، ولم أكن أستطيع أن أجيبك بمثل هذا، وسأبسط لك الآن السبب.
فعمدت إلى وسيلة أخرى، إذ بدا لك أن من السذاجة وبلاهة الفؤاد أن يكثر الإنسان من لغة العاطفة مع امرأة على شاكلتي، فوضعت في غلاف خمس سفاتج من ذات الألف فرنك، ومع الخمسة آلاف هذه الألفاظ في قطعة صغيرة من الورق: الضابط بريانشو يود أن يرقد ليلة الغد مع مدام لانسيني، الرد منتظر. . . .، وكان الرد بسيطاً للغاية وهو إرسال خمسة آلافك إليك في التو واللحظة.
ولما كنت رجلاً ذا قلب، وشاباً من أهل الخير، فقد علمت أنك قد ارتكبت أمراً نكراً إذ أهنت امرأة - قد لا تكون امرأة شريفة - ولكنها امرأة ليس لك عليها من حق أو سلطان.
ولعل أبدع كتبك عندي وأشدها تأثيراً أخيرة رسائلك، تلك التي سألتني فيها الصفح