للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

في مأمن، لا سوء يبلغ إليها، كنت أعمد إلى عشيقي فأهبط بين ذراعيه في ذهول وجنّة رائعة.

وكان المتعد بيننا أن يرتقب لوسيان حضوري إليه في منزله عند الساعة الثالثة من الأصيل، ولكنني تلقيت ضحى رسالة من رئيسة المعهد تنبئني فيها بأن جدران المدرسة قد دهنت وأن الدهان لم يجف بعد، وأن إجازة البنات قد أطيلت يومين.

فلم تكد تسمع هيلين الخبر حتى رقصت جذلاً، وانكمش فؤادي أنا حيرة وغماً، واسترسلت أهيم في أودية التفكير وشعابه، فخطر لي أولاً أن أكتب إليه أنبئه بأمر هذا الحائل العارض، وكدت أنفذ النية، لولا أن هيلين ظلت طول الصباح بجانبي لا تفارقني، فأجمعت على الصبر واستسلمت للسكوت وجعلت أقول لنفسي، أن لوسيان سيرتقب مطلعي ولن يشك في أنه قد حال حائل بيني وبين ملقاه.

وقد انتظر حقاً ساعة فساعة ونصفاً ثم ساعتين، وإذ ذاك اشتد قلقه إذ كان يعرف دقة احتفاظي بموعده، وقد أنهكت الثمانية أيام التي غاب فيها عن مشاهدتي كل عاطفته، وكان حقاً يحبني أشد الحب، فلم يستطع إذ ذاك صبراً، فخرج من منزله ووثب إلى أول مركبة عرضت له في الطريق وعدا إلى منزلي يطلب رؤيتي.

وكانت وصيفتي لا تعرفه وقد جاءت تنبئني بأن سيداً يلتمس لقائي وهو يقول أنه تاجر نبيذ يريد أن يعرض عليّ ألواناً من خمره وأنبذته وهو يلح في التماس مقابلتي فلم تشأ الوصيفة أن تخالفه فلم يسعني إلا أن أدخل حجرة زوجي، ولما يعد من محل عمله، وظلت هيلين في الحجرة المجاورة تنتظرني.

فلما وقع بصري على لوسيان تصورت الرعب كله وتخيلت الحقيقة مكشوفة مهتوكة الحجاب ووهمت الجريمة مفتضحة متجلية للعيان، فصرخت صرخة مرعبة، وحاول هو أن يهدئ من ثائرة جزعي، ويزيل عني روعي، ومضى يقول: إنني سأنصرف في التو والساعة ولكن نبئيني ماذا أمسكك عن اللقاء ولا أعلم الآن بماذا أجبته، وبماذا حدثته، بل لا أدري إلا أنني صرفته في عجلة وخوف، وعاد هو مطمئن اللب، إذ علم أن لا خطر.

فلما ذهب أويت إلى حجرتي، فحاولت أن أستعيد صوابي وأراجع سكينتي قبل أن أعود إلى هيلين.