للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فلو ألف بأن خلفهم هادم كفى ... فكيف ببان خلفه ألف هادم

وانظر الفرق بين روحي الشاعرين روح الحكيم وروح المحتكم، ثم هذا البيت في الدولة أيضاً:

من العناية قد ريشت قوادمها ... ومن صميم التقى ريشت خوافيها

لولا أن فيه خطأ بليغاً وذلك أن القوادم هي أربع أو عشر ريشات في مقدم الجناح والخوافي سبع ريشات بعد السبع المقدمات أو هي ريشات إذا ضم الطائر جناحيه خفيت فكأن الشاعر يقول ريشت الريشات القوادم وريشت الريشات الخوافي وهذا من الخطأ والقبح كما ترى إنما يقال ريش الجناح ليس غير، ثم هذا البيت:

وفتنة الحسن أن هبت نوافحها ... كفتنة الحرب أن هبت سوافيها

على أن في هذا البيت من سوء الطباق بين الحسن والحرب ومن ضعف التعبير في قوله هبت نوافحها وهبت سوافيها، لأن النوافح والسوافي متغايران في المعنى فيجمل أن يعبر عن فعليهما بلفظين متغايرين يلائم كل منهما المعنى الذي يساق به، ثم قوله - إن الحكومة تغرى مستبديها - وهو يصلح أن يكون مثلاً وليس في القصيدة غيره من هذا النوع ولكن فيه هذه الإضافة التي جاءت حشوا في (مستبديها) ويلحق بهذه الكلمات قوله:

فأنت في زمن المختار منجدها ... وأنت في زمن الصديق منجيها

وفيه جناس لا بأس به وإن كان من أضعف الأنواع لخلوه من النكتة التي تجعل التأثير بالغاً على النحو الذي انفرد به رجال هذا الفن كالبستي والصفدي وغيرهما.

هذا هو كل ما يعجب الناقد أو الأديب من القصيدة على بعد ما بين مشرقها ومغربها وعلى أنها زهاء مائتي بيت فأين هي من صناعة البيان أو صناعة الشعر على أنها في تاريخ رجل أي رجل وعصر أي عصر، وثالثة أن القافية التي اختارها حافظ لقصيدته من أضعف القوافي وأسهلها، لا تدل على شيء من تمكن الرجل من صناعته فإن الهاء فيها هي هذه الهاء ضمير الغائب المؤنث، تتكرر في كل بيت إلا بضعة أبيات فإنها فيها أصلية من بنية الكلمة كقوله: تشبيهاً وتنزيهاً ونحوها، ولو عمد مبتدئ في الشعر إلى النظم على هذا الروي وكرر الهاء كما فعل حافظ ما أعجزه أن يجيء بألف بيت وبألفين وأين هذا الصنيع من قوافي شاعر كابن الرومي على طول قصائده أو قوافي البردة أو الهمزية للإمام