للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وهل يدري القراء لماذا بدأ الشاعر بمقتل عمر. . إنه لم يفعل ذلك إلا فراراً من الموضوع الذي يريد نظمه وعجزاً عن توفيته حقه لأنه إن بدأ بوصف عمر ونشأته ومنزلته في الجاهلية لزمه أن يجري على هذا النسق حتى ينتهي كل ما في حياة الرجل من الشعر والحكمة ثم تنتهي القصيدة بمقتله فإن هو بتر التاريخ أو اقتضب منه أو خلط في نسقه ظهر ذلك للناس واضحاً وظهر معه عجزه وقصوره، فأعد سامعيه وقراءه من أول القصيدة أن لا يلتفتوا إلى النسق التاريخي ولا ينتظروا فيه إلا قطعاً وفصولاً عن عمر وسيرته وكأنه ظن أنه بذلك يذهب بوعيهم وانتباههم. .

لم يبق إذن إلا أن الشاعر أراد بهذه العمرية كما يقول هو حكاية مناقب عمر للشاهدين وللأعقاب فأما للشاهدين فربما وأما للأعقاب فليس هناك إلا أن تأتي نكبة على كل أسفار التاريخ العربي فتذهب بها ولا يبقى إلا متن العمرية وشرحه. .

وللنظر في كيفية حكاية الشاعر لمناقب عمر فقد خرجنا بالقصيدة من باب الشعر إلى باب النظم ثم انتهينا إلى باب حكاية المناقب، وإنها في هذا الباب يعلم الله دون هذه القصص العامية أو المعربة التي نظمت فيها مناقب سيدي أحمد البدوي وسيدي إبراهيم الدسوقي رضي الله عنهما أو قصة سيدنا يوسف عليه السلام لأن هذه القصص محكمة في بنائها على الأسلوب الروائي وفيها شيء كثير من حسن التخيل وبلاغة التصوير، وقد نظم الغبارى الزجال المشهور قصة سيدنا يوسف في زجل طويل جاء فيه بالمعجب والمطرب بحيث لا تقع عمرية حافظ من قارئه إلا موقع الماء المثلوج ممن امتلأ جوفه رياً وبرداً.

نحن نقر حافظاً على أنه حكى جملة صالحة لا بأس بها في سيرة عمر ومناقبه وأنه جهد الجهد كله في نظمها ولكنا لا نقول أبداً أنه جاء بشعر شاعر أو وفى النظم حقه أو مزج فلسفة الشعر بفلسفة التاريخ بل فيما هو دون ذلك لا نقول أنه محص التاريخ ولا جاء به على وجهه ولا اجتهد فيه برأي بل مسخ وبتر وأخطأ ودل على أنه لا يفهم التاريخ العربي بقريحة عربية وأثبت أنه ضعيف جداً في العلوم الاجتماعية لا يقام لرأيه وزن فيها ولو شئنا أن نورد كل ما في قصيدته من هذه الأغلاط لطال الأمر علينا وعلى القراء ولكنا نورد أمثلة قليلة تومئ إلى ما وراءها قال في الدولة الإسلامية وأسباب سقوطها:

والله ما غالها قدماً وكاد لها ... واجتث دوحتها إلا مواليها