للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

جاء بهذا البيت في مقتل عمر بعد أن لعن مولي المغيرة الذي قتله ولقد أقسم حافظ أنه ما غال الدولة ولا كاد لها ولا اجتث دوحتها إلا الموالي وأنه لو قسم لو تعلمون عظيم، فأي برهان يقول حافظ هذا القول وما هو أثر الموالي في هدم الدولة الإسلامية ومن هو الخليفة الذي تولاها منهم وماذا كان لهم من الشأن في القضاء والسياسة والجند.

لعل الشاعر يجهل فيما يجهل أن مولي المغيرة وهو أبو لؤلؤة كان مجوسياً ولولا ذلك ما أقدم على قتل عمر، ولعل الشاعر لم يقرأ فيما قرأ أن عمر لما عرف قاتله قال الحمدلله الذي لم يجعل منيتي على يد من يدعي الإسلام، وإلا فأين أبو لؤلؤة هذا من سائر الموالي ومنهم أئمة الناس وعلماء الأنصار وكان منهم سعيد بن جبير رأس التابعين ونبغ منهم في عصر واحد عطاء بن أبي رباح إمام الناس بمكة وطاوس باليمين ومكحول بالشام ويزيد بن أبي حبيب بمصر والضحاك بن مزاحم بخراسان والحسن البصري بالبصرة وإبراهيم النخعي بالكوفة وغيرهم وغيرهم ممن قام بهم العلم واهتدى الناس بهديهم، وهذا حماد الراوية أمام أهل الأدب الذي تنتهي إليه الأسانيد مولي من الموالي، ولكن شاعرنا الاجتماعي المؤرخ الكبير لا يقرأ ولا يعلم إلا من بعض كتب المحاضرات كالعقد الفريد ونحوه وهي كتب لم توضع للتاريخ والتحقيق وإنما جمعت للمحاضرة والفكاهة.

ثم قال حافظ بعد هذا البيت يعني دولة الإسلام أيضاً:

لو أنها في صميم العرب قد بقيت ... لما نعاها على الأيام ناعيها

وهذا من الجهل بالتاريخ وطبائع الأمم وأحوال الاجتماع وإلا فهل كان يريد الشاعر أن لا يسلم إلا العرب أو أن يفرق الإسلام - وهو دين الإخاء والمساواة - بين العربي والمولي، ولنا أن نفهم من هذا البيت أن الشاعر يريد من البيت الذي قبله أن الموالي كانوا ملوكاً وخلفاء للدولة الإسلامية لأنهم في رأيه هم الذين اجتثوا دوحتها، وهذه مادة جديدة في التاريخ وقد وجب على المؤرخين وأهل البحث أن يسألوا شاعرنا تصحيح كتب التاريخ والأنساب فربما كان معاوية أو عبد الملك أو هشام أو غيرهم من الموالي، وربما كان الديلم والترك ونحوهم من هؤلاء الموالي أيضاً فيجب أن يتناول التصحيح الحافظي كتب اللغة والأدب فوق التاريخ والأنساب. . . وقال في إسلام عمر:

ويوم أسلمت عز الحق وارتفعت ... عن كاهل الدين أثقال يعانيها