للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

تصدقني إلا قليلاً، على أنها كانت الحقيقة الصادقة وأني لا أزال أستطيع عليها قسماً الآن، لو أنك كنت بجانبي، وتستطيع في هذه اللحظة لي تصديقاً لأن هناك لحظات من الزمن لا يجد الإنسان فيها روحاً إلى المزاح أو رغباً في الكذب.

أواه، يا مسيو هرفي، إنني الآن في أسوأ حال، وكنت منتعشة القوى، بتوردة الوجنة، عمر الصيف وحياة الربيع، فلما هبت أرواح الشتاء، وطلعت وماكر البرد، عادت إلى ذات الصدر، وأنا أقول لك الآن أنني لم أكن يوماً قوية الصحة، وكيف أكونها، والصناعة التي أحترفها شديدة الخطر على الصدور الرقيقة، واللهي الضعيفة، فنحن أبداً خالعات ثوباً لنجرب أثواباً أو مشداً أو شملة عارية الصدر، على مقربة من حرارة المواقد، وفتحات الأبواب يدخل منها الهواء البارد فيصدم الظهر، وفي كل ذلك واقفات نجري من ناحية إلى ناحية، أو جامدات في أماكننا كالصورة الجيرية الموضوعة في صدور محلات الأزياء ولكني لا أريد أن أحدثك أحاديث حزينة ولا أريد أن أبسط لك سوء ما صنعت بي حرفة الوقوف في محال الأثواب، فلست أحمل لك ضغناً، ولست أحس لك حقداً، ولكن لي ملتمساً إليك أطلب أن أبتهج بتحقيقه وأنت لن ترفض هذه الضراعة إذا جئت على آخر سطر من كتابي هذا.

لقد كنت قلت لك ذلك المساء الذي التقينا فيه إذ ضربت لي موعدك، كلا، كلا، ولكنك أدركت جيداً أنني كنت أقصد بذلك أن أقول، نعم، نعم، فلما كان اليوم الموعود، خرجت من المصنع قبل وقت الخروج بساعة فعدوت ألتمس البيت لكي أبدع الزينة، وأتم التطرية، وقلت لشقيقتي الكبرى أنني ذاهبة إلى دار التمثيل وصواحب لي فصدقت الخبر، وكانت خلية الذهن من خافية الأمر، ولتعلم أنني كنت فاتنة رائعة السمت عندما بلغت إلى ناحية شارع تراس، الذي كنت قد طلبت إلي أن أرتقب قدومك إليه عند الساعة التاسعة من المساء، ولم أكن إذ ذاك بثوبي الأسود الذي شهدته بل كنت مرتدية ثوباً جميلاً أزرق اللون مفصلاً على المنوال الذي تحاك به في مصنعنا أثواب الأميرات فجئت إلي الموعد متهللة الأسارير متفتحة الفؤاد، لا خجل أشعر به ولا ندامة، فقد فكرت منذ فهت أنت بكلمتك الأولى أنه لا يليق بنا أن نكون نحن الفقيرات عاقلات رزينات طول الحياة، وإن أبدع السوانح أن تتزوج الفتاة الآثمة بالفتي الذي أثم معها، على أنك تدرك يا مسيو هرفي أنني