للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

لم أفكر في أنك ستتزوجني إذ كنت أعلم أنك ستنطلق بعد ذلك عني لكي تتزوج فتاة غنية عريضة الجاه ولكن ذلك لم يحزنني بل لقد كنت في غبطة وابتهاج إذ أتصور أنك ستحبني برهة من الزمن، وأنني سأكون لك دون أن أكون قد هبطت من قبل أن ألقاك في أحضان رجل سواك، فكأنك ستكون في تلك البرهة من الحب زوجي، فقد كنت حقاً تلذني ولا تستطيع أن تتصور التأثير الذي أحدثته في فؤادي وقد رأيت رجالاً كثراً يجيئون إلى المصنع ماشنين إلى أكتاف سيداتهم أو حبابئهم، ولكن لم يكن في هؤلاء الرجال رجل له شاربك وأسنانك الجميلة وعيناك البديعتان، ولاسيما عيناك، عيناك، حتى أنني لما وقفت في شارع تيراس أستطلع قدومك، انطلقت أتخيل تينك العينين وأحدث نفسي أننا إذا احتوتنا حجرة واحدة سأجترئ فأقبلك في عينيك أحر القبل.

انتظرت ساعة فساعتين، ثم انتظرت حتى منتصف الليل، وأنا أتمشى فوق الافريز حتى لا يستوقف منظري المارة فيستريبون بي، لقد دنا مني جمع من الشباب يقولون لي كلما نكراء وكنت في حيرة لا أعرف كيف أتجنبهم لأنني خشيت أن أبتعد عن المكان مخافة أن أفقدك، فلما دقت الساعة الأولى بعد منتصف الليل وألفيت مكاتب الحافلة - الأومنيبوس - قد أقفلت أبوابها وأطفأت أنوارها أجمعت الرأي على العود إلى البيت حتى لا أزعج شقيقتي.

وأؤكد لك يا مسيو هرفيه أنني أويت في تلك الليلة إلى المضجع كسيرة الفؤاد محزونة وبت أتقلب في الفراش لا تغمض لي جفن، وبكيت طويلاً وعبثاً حاولت أن أقنع ذهني إذ أقول لنفسي، لعل عائقاً اعتاقه، أو لعل الأسرة حالت دون المجيء لي موعده أو عل شاغلاً من شواغله زجره عن موافاتي، فلم يستطع إنبائي بمعاذيره، إذ كان يجهل عنوان داري. . . وجملة القول أن أشد ما أحزنني وابتأست له أنني لا أعرف السبيل إلى لقائك مرة أخرى فإنني لم أقل لك عن عنواني وأما أنا فأعرف اسمك والنادي الذي تذهب إليه ولكنني لم أجد جلداً على الكتابة إليك وانتهى بي مطاف الفكر إلي أنك لو كنت تحمل في فؤادك شيئاً من الرغبة في فإنك ولا ريب باحث عني فواجدي، إذ تعرف المحل الذي أعمل فيه والساعة التي فيها أنطلق عنه.

وكذلك ظلت بضعة أسابيع إذا انصرفت من محل شغلي أتمشى زمناً أمام الباب، أستطلع الوجوه، وأغيب النظر في معارف السابلة، لعلي مشاهدتك في غمارهم ثم لا ألبث أن