للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكانت تسمح له أن يلبس صفات حياتها هي، وصفاتها الانتشار والرواج على ألسن العامة والخاصة كل فيما يروق في نظره، فلما احتبست الصحف المصرية الكبرى احتبس هذا الأدب في صدور أصحابه، ولقد ظلوا بدأ هذه الحرب ولا تزال تجول في خواطرهم هواجس منه أظهرها بعضهم على صفحات بعض الصحف السيارة ثم أخمدت جذوتها فيهم نيران أقوى منها تلتهم العالم بأسره.

لكن بعض الكتاب استمر يثمر، لم تجمد قريحته أمام الجمود العام الذي أصابنا بل رأيناه مستمراً في طريقه، على أنه لم يستطع أن يتخلص من التأثر بالجمود العام بل سرت إلى روحه الكتابية ريح من النفس العامة فصرت ترى الآنسة مي وقد عرفناها فيما مضى ذات قلم عصبي مرتعش كله الصور والإحساسات والمشاعر والخيالات تدخل بنا في جمود الفلسفة الناشفة معظم الأحايين، والآنسة مي سيدة، أي يجب أن يفيض قلمها بالعواطف الناطقة لا بالصور المبهوتة ولا بالفلسفة الناشفة.

ذكرت لحضراتكم أن أحسن ما ظهر في عالم الأدب أخيراً أو بالأحرى أكثر ما نال شهرة، ماجدولين والعمرية، وماجدولين مستنبطة، والعمرية قصة شعرية تنقصها الروح الشعرية، ولهذا يجب أن نفتش في غير عالم الشعر والنثر علنا نجد روحاً غير الروح الجامدة المتأثرة بالحرب المذهولة أمام فظائعها.

الكتاب الذين استمروا يثمرون هم من الكتاب الذين ظهروا إبان هذه الحرب أي الذين كانوا قبلها مكتفين بعجالات يدرجونها في الجرائد، أو كانوا مشغولين بأشياء أخرى غير الأدب، هؤلاء الأشخاص جميعاً بقيت متغلبة عليهم فكرة الكتابة للنشر قبل الكتابة للأدب، فلما لم يجدوا في الصحف معينهم حولوا نظرهم شطر مسارح التمثيل فكتبوا روايات لا شك أن من بينها ما يغتبط المصري له، ولسنا ندعي أن غبطتنا ناشئة عن أنا وجدنا بين هؤلاء نابغة كشكسبير أو راسين أو موليير أو جيت وأضرابهم من كبار كتاب الأمم الأخرى، وإنما اغتباطنا لأن فكرة الظهور أمام الملأ المصري بالرأي والفكر لم تخمد من نفوس الشباب المصري، فأدى ذلك بأحسن ما تهيئه له ملكته وتمليه عليه موهبته، والنبوغ يستلزم الجمع بين بذل الجهد وحسن الملكة فإذا قدم إخواننا الشباب المثل لبذل الجهد فربما كانوا السبب في ظهور النابغة عاجلاً أو آجلاً ومن بينهم هم أو من بين جيرانهم.