للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هؤلاء الكتاب التمثيليون وضعوا نصب أعينهم معالجة أمراض اجتماعية متفشية في البلاد بالطعن عليها أو الاستهزاء بها أو إظهار أصحابها مظهر السخرية، وقد نجحت بعض القطع التي وضعوها، ولكن لم يكن نجاحها ناشئاً عن اعتبار السامعين بالمثل الذي يقدم ولكن لأن في هذه القطع أجزاء حازت الصفات اللازمة في القطع التمثيلية، أي حازت روعة المظهر ودقة الوضع وحسن الأداء من الممثلين.

نعم أيها السادة، فليس التمثيل مدرسة كما يزعمون، ولكنه سلوة النفس المتعبة عن بعض نصبها، والنفس المتعبة لا تتسلى بالنصيحة ولكن بالعاطفة القوية ظاهرة أمامها تذكرها شيئاً من عظمة النفس الإنسانية فتتسلى بذلك عما تلاقي في الحياة من الصغائر، أو رقة العواطف فترجع إلى ماضي الشباب أو تترنم بحلو حاضره، أو مضحكات الحياة فتتسلى بذلك عن محزناتها، التمثيل سلوة للنفس كما أن الغناء والموسيقى سلوة لها، كلاهما ينسيها هم الحاضر ويحملها على جناح الخيال والعاطفة والأمل إلى حيث ترى خيراً مما كان أمامها فتبيت مغتبطة مسرورة.

لهذا أيها السادة كان أحسن وقت يسمع فيه المغني أو الموسيقي أو التمثيل أول الليل حين نرجع متعوبين من عملنا وفي أشد الحاجة إلى ما يسلينا، حين نكون مستعدين لنسيان أنفسنا لنذهب مع صوت الكمنجا أو ترنم المغني أو حماس الممثل إلى أبعد الغايات.

ولهذا وجب أن يعني الكاتب التمثيلي بأثر روايته من هذه الجهة جهة استفزاز العاطف لينسى السامع نفسه ويذهب مع الممثل إلى حيث يشاء غير مهتم بإهداء النصيحة للنصيحة.

على أنا مهما قلنا في هذا الباب وسابقه فإنا لا نزال نتكلم عن الأدب الصحيح، الأدب الذي نحترمه ونعني بالإشادة به وإعلاء شأن ما يروقنا منه، ولكن هناك نوعاً جديداً من التمثيل الهزلي أبدعته الحرب الحاضرة لتسلي به النفوس المثقلة بكل شيء والمتقززة من كل شيء، نوعاً تعيساً، نوعاً قذراً، ولكنه يستهوي بقذارته مع عظيم الأسف نفوساً كثيرة جداً ونفوساً لا تكتفي بما يجب من مشاهدة ما يظهر منه مرة ولكنها تستظهره وتتغنى به أغنيات العرب بأشعار أصحاب المعلقات هذا النوع الجديد هو ما يسمونه الكوميديا فرانكو أراب، أو إذا أردنا أن نطلق عليه اسم كبراء رجال الفن من أهله فهو أدب كشكش