للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ولكنهم لا يستطيعون مساجلتهم في السرعة، لأن الصفاف الأعمى يضطر إلى قراءة الحروف بملمس أصابعه قبل أن يشرع في جمعها.

حتى إذا انتهى الأعمى من رص حروفه، في اللوحات المعدة لها أخذت هذه اللوحات وهيئت للطبع، والورق الخاص به عادة يختار من النوع الكثيف الخشن ولذلك يبل قبل إعداده للطبع ثم ينشر على اللوحات ويضغط عليه بواسطة قطعة ناعمة من الجلد بشدة حتى تنقل الحروف على الورق دون أن تثقبها، ثم يسحب الورق إذ ذاك وينشر لتجفيفه، وقد اخترع العلامة باري بعد ذلك آلة تسمى الأستروميت وهي في غاية البساطة، واستعيض بها عن وضع صفحات الورق فوق اللوحة، وذلك أن ليس على الصفاف الأعمى إلا أن يكتب مباشرة بمخراز من الصلب فوق صفحة من الجلد أو الزنك، وهذه الطريقة تشبه طريقة حفر الكليشيهات ولكن هذه الآلة لا تزال ناقصة من ناحية، إذ من الصعب تصحيح الحروف، وتستلزم نفقات كثيرة لشراء لوحات من المعدن، ولكنها حسنة مغنية من ناحية السرعة في العمل.

وأصعب ما في الطباعة العمياء موضوع الورق فإن الكتاب يستلزم مقداراً عظيماً منه لأن كل حرف ٧ ملليمترات طولاً و ٥ ملليمترات سعة ولا مقدرة على تصغيره دون هذا الحجم ثم ليس في الاستطاعة طبع الحروف على ظهر الصحيفة، ولا بد أن يكون الورق من الغراء الخشن والضرب الكثيف ولذلك كانت الكتب الأولى التي طبعت على طراز براي نادرة جداً وغالية الثمن، وعظيمة الحجم.

ولكن مهارة العميان وذكاءهم وقوة تفكيرهم استطاعت التغلب على هذه العيوب إذ اخترعوا طريقة الكتابة بين السطور وبها تمكنوا من الطبع على وجهي الصحيفة.

وقد أدخلت على هذه الطباعة ضروب كثيرة من التحسينات، ولا يزال العلماء المشتغلون بتهذيبها يفكرون في الإكثار من وسائل التحسين، ولكن لا تزال الكتب التي تخرج للعميان عظيمة الحجم، غالية الثمن، والكتاب الواحد المؤلف من مائتي صحيفة يزن كيلو غرام، وقد طبع كتاب العلامة سورل للعميان وهو أوروبا والثورة الفرنسية، فاستغرق ١١٤ مجلداً، وكان ثمن الجزء الواحد منها قبل الحرب ثمان فرنكات، ولهذا كان تأسيس مكتبة صغيرة منزلية من هذه الكتب يكلف صاحبها مالاً طائلاً، ولا تجد كثيرين من العميان