للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الأفراد من كل الأمم والشعوب دون قيد ولا شرط.

إن لفظة الاشتراكية حديثة جداً وضعت حوال سنتي ١٨٣٥ و ١٨٣٦ ثم شاع استعمالها بعد ذلك، ولم يلتفت علماء ذلك العصر إلى الحالة الفكرية التي كان عليها العالم في قديم الزمان وغرتهم فكرة المساواة التي كانت تتردد على ألسنة الفلاسفة القدماء وظنوا أنها اشتراكية مع أنها ليست من الاشتراكية في شيء فإنها مساواة قاصرة على طبقة أو فئة مخصوصة كما سبق بيانه ولأن الحامل عليها هو حب النفع العام وتقليل الشقاء بقدر الإمكان وذلك لا لأن البؤس ظلم وإجحاف بل لأنه مؤلم للعواطف الشريفة: أما الاشتراكيون فإنهم يرون في عدم المساواة ظلماً وإجحافاً ويبغضون الأغنياء ويمقتونهم من كل جوارحهم فالمساواة التي كان يطلبها الفلاسفة القدماء هي مساواة هادئة وقاصرة على الأحرار لاقتسام الأرزاق فيما بينهم دون أن يكلفوا أنفسهم مؤنة العمل فإن العبيد كانوا هم المكلفين به وإذن فهي مساواة استهلاكية بخلاف الاشتراكية فإنها لا تنشد المساواة في الاستهلاك فقط وإنما تنشد المساواة في العمل أيضاً.

إن الاشتراكية مذهب عام لا يخص أمة دون أخرى بل يعطف على الجميع خصوصاً البؤساء والفقراء ورائده حب العدل والتغالي في خدمة الفرد.

وإذ ثبت أن المساواة الاشتراكية تشمل جميع الأفراد ولا تستثني منهم أحداً ظهر أن المسيحية بعيدة عن الاشتراكية وإن جمعيات الرهبان التي تأسست في القرون الوسطى لم تكن اشتراكية بالمعنى الحقيقي ولو أنها كانت مقامة على دعائم المساواة الحقة فإنها كانت قاصرة على أفرادها خاصة لا تتعدى إلى سواهم ولا تسعى إلى نشر المساواة بين الأفراد الآخرين ولا إلى قلب النظام الاقتصادي بل كانت عائشة بمعزل عن العالم تزرع أرضها على الشيوع وتقتات منها على الشيوع لا يهمها من الحياة الاقتصادية الخارجية شيء.

نعم كان السيد المسيح عليه السلام يعطف على الفقراء ويمقت الأغنياء ويحتقر المال ولا يقبل إنساناً ضمن أتباعه إلا إذا تجرد من أمواله وأملاكه وطرح عن كاهله شواغل الدنيا، ولكنه مع هذا لم يكن اشتراكياً فليس من رأيه عدم التداخل في شؤون الحكومة بدليل قوله أعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله ولم نر من بين أقواله ما يدعو إلى المساواة بين البشر.

ومما لا شك فيه أن الدين الإسلامي مشفق بالفقراء رؤوف بالمعوزين لم يدخر وسعاً في