للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

له فيها حجرة بسيطة الأثاث، أشبه شيء بحجرات المتوسطي الحال وقد كان يخيل إلى هؤلاء إذ أقبلوا على الحجرة وأوشكوا على المثول بين يدي ذلكم القائد أنهم سيرونه جالساً إلى مكتب حافل بالخرائط والمصورات والمذكرات والأوراق المتراكمة، ولكنهم لم يلبثوا أن عجبوا العجب كله إذ ألفوه جالساً أمام مكتب ليس عليه إلا دواة وقلب وأداة التلفون، وكذلك فوق ذلك المكتب يضطرب مستقبل الإنسانية وفيها تخفق حياة العالمين، ولا خرائط في الحجرة ولا زينات غير مصور جغرافي عظيم قد أطل من ركن من أركانها.

وكان والده عام مولده في السادسة والسبعين من عمره وكان كاتم سر حاكم المدينة وهي بلد صغير من فرنسا يدعى تاربيس فتلقى فوش في صغره العلم في مدارس سانت اتيين، وأما والدته فابنة ضابط أدرك عهد نابوليون وكان فخر العشيرة وجعل فردينان فوش، بطل الحرب اليوم يلقن الأقاصيص البديعة الحربية عن جده، وألوان الشهامة التي بدت منه في أيام البلاء، ومعرك الفخار.

وأتم فوش العلم في ميتز، وتعلم فيها حب اللورين، واغتذى من الحمية الأهلية فيها وكان يوم إعلان حرب السبعين يعد نفسه لدخول الامتحان النهائي في المدرسة.

وهو من أكبر المعجبين بنابليون، وعنه أخذ كثيراً من أفانين الحرب، ودرس جميع خططه، ووعي جميع مبادئه الحربية، ولذلك عين عام ١٨٩٦ أستاذ الفنون العسكرية وخطط الحرب في المدرسة الحربية في فرنسا ووضع كتاباً قيماً في ذلك كان له من ورائه الذكر الأكبر.

وغريب أن يكون فوش رجلاً من أبطال السيف، وقائداً من حملة القلم، فإن الكتاب الذي عده الناس حجة في فنون الحرب، وأكبروه إلى مصاف الثقة الفنية، كتابه الذي وضعه قبل عام ١٩٠٤ وأسماه مبادئ الحرب وتنبأ فيه بالأحداث التي نشهد اليوم أهوالها ومناكرها.

والقائد فوش بعيد الآن عن الأنظار، قلما يراه جيوشه، فإن عمله العظيم الذي لا يزال أكبر من القوة الإنسانية يمسكه بمكتبه، ويشده إلى مركز قيادته، وهو في ذلك على نقيض القائد جوفر، فقد كان جوفر لا يفتأ يروح ويغدو ويجوب وينتقل، بل إذا دفعه الأمر إلى التنقل بين جنده للتأكد من أمره، والتثبت من مكانه، فلا يكاد يقف، ولا يكاد يتمهل، بل يمضي مسرعاً مخفاً بلا تردد ولا ونى، ويكره أن تنتقل آراؤه من فم إلى فم، في صفوف عسكره،