للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وسوء الخلق فكان لذلك لا يخشى في الحق ذاماً وكان يقول للمخطئ أنت مخطئ وللكذاب أنت كذاب تصريحاً لا تعريضاً ومن هنا لم يستقر على حال من القلق وكلما حل مكاناً ضاق به أهلوه من العلماء وشغبوا عليه وناوأوه وسخروا منه اللهم إلا من كان منهم لا يعرف من نفسه نقصاً يخشى اشتهاره أو من كان يعرف أن ليس عالم إلا وهناك من هو أعلم منه فلا يستحي أن يفيد من هذا الرجل علمه مثل المأسوف عليه الشيخ محمد عبده الذي كان من شأنه مع الشنقيطي ما سيمر بك.

فلما نبت به المدينة وأهلوها ولم ير المقام صالحاً ولى وجهه شطر القسطنطينية وكان ذلك أزمان السلطان عبد الحميد فاتفق وهو هناك إن لفت بعضهم عبد الحميد إلى الكتب العربية الموجودة في إسبانيا وأشاروا عليه أن يوفد الشنقيطي إلى تلك البلاد لأنه خير من ينهض بهذه المهمة فأرسل إليه السلطان أن يتأهب للسفر فلم يقبل ذلك إلا على شريطة أن يعزل ناظر وقف الشناقطة في المدينة المنورة وأن يعد له طباخاً ومؤذناً وأن يكافئه أحسن مكافأة بعد أن يرجع، وقد أشار الشنقيطي إلى ذلك في قصيدته المسماة هذا حظ جد من المبناه، وبراءة محمد محمود من عاب الجهل الذي عبناه بقوله:

فكان من السلطان أمرك بعد ما ... شرطت أموراً لم تصادف أولي عزم

ثم إن السلطان أرسله في وابور خاص وأعطاه مؤذناً وطباخاً وبعث معه أحد أدباء تونس فذهب إلى إسبانيا وكتب أسماء الكتب العربية النادرة التي لا توجد في القسطنطينية ثم رجع فتقدم إليه السلطان بأن يعرض عليه الأوراق التي عنده فتأبى حتى يأخذ مكافأته فأرسل إليه السلطان أن مكافأته ستصرف إليه فأصر على إبائه فما كان من السلطان إلا أن غضب منه وأهمل شأنه وشأن أوراقه فصادف إذ ذاك أن أوسكار ملك السويد والنرويج طلب إلى السلطان عبد الحميد أن يوفد إليه وفداً من علماء العربية يقف منهم على أشياء تتعلق بالقرآن الكريم وأشياء من الشعر العربي وأن يكون من هذا الوفد الشيخ الشنقيطي فأرسل السلطان إليه أن يتهيأ للسفر فقال حتى تعطوني مكافأتي فطار الغضب في رأس السلطان وأمر أن يزايل القسطنطينية في التو واللحظة.

وبعد أن فارق الاستانة قدم إلى مصر ونزل على السيد توفيق البكري نقيب الإشراف والكاتب الشاعر المشهور فأكرم السيد وفادته واستأجر له ولجاريته داراً ووظف له وظيفة