للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأمر بكتابة النصيحة على جدران قصوره وأبوابها، قالوا وكان لهذا الملك خصم لدود ملك جبار عنيد يتربص به الفرص ويكيد له ما استطاع لذلك سبيلاً ولما أعيته الحيل ولم يصل إليه بمكروه قال في نفسه لماذا لا أذهب إلى حلاق الملك وأعده بالمال الجزيل وأعطيه موسى مسمومة يفصد بها الملك فيموت وأتخلص منه علي أهون سبيل وسرعان ما غير ملابسه وتنكر وذهب إلى الحلاق وأعطاه ألفاً ذهباً وموسى مسمومة فأجابه الحلاق وكان شرهاً يحب المال حباً جماً إلى ما طلب ووعد بتنفيذ ما رغب ولما مرض الملك أرسل في طلب الحلاق ليفصده فسار إليه ومعه الموسى المسمومة فوجد الغلمان قد هيئوا له آنية يتلقى فيها دم الفصد وكان مكتوباً على حافتها نصيحة ذلك الشيخ الذي اعترض الملك وهو راجع من الصيد والقنص وهي إذا هممت بفعل أمر فاحسب حساب عاقبته فلما تأملها الحلاق قال في نفسه إنني الآن على وشك فصد الملك بهذه الموسى المسمومة فلا بد أنه يموت وإذا مات لا يتركونني حياً بعده وإذن لا أنتفع بالمال الذي أعطيته قال هذا في نفسه ثم أخفى الموسى المسمومة وأخرج غيرها بريئة من السم فلما رآه الملك يبدل موسى بغيرها سأله عن السبب فقال إن الموسى الأولى قد علا حدها التراب فراب الملك أمره وقال له إن الموسى الأولى لم تكن من المواسي الخاصة بي فلا بد من سر دفين وأمر خفي أخبرني سريعاً وإلا أذقتك كأس المنون فعندها لم يسع الحلاق إلا أن يقول الحق وحكى له السر من أوله إلى آخره وإن عزمه على الإيقاع بالملك قد تحول منذ وقع نظره على النصيحة المكتوبة على الإناء قال الراوي: فسر الملك من صراحته وانتصاحه بالنصيحة فخلع عليه خلعة سنية وأجاز له الانتفاع بالذهب الذي أخذه من عدوه ثم قال الملك: حقاً إن نصيحة ذلك الشيخ المبارك تقدر بمئات الألوف من الذهب لا بألف واحدة.

على أن الآثار القلمية للترك قبل الاستيلاء على القسطنطينية سنة ١٤٥٣ ليست بذات شأن كبير أما بعد الاستيلاء عليها بقليل فقد راجت فيها أشعار غزلية لأمير تتري اسمه الأمير علي شير نواي فتن بها الوزير أحمد باشا أحد رجال السلطان محمد الثاني ونقلها وكان هذا الوزير شاعراً أديباً وكاتباً مجيداً له المقطعات البليغة ذات المحل الرفيع في الأدب التركي وقد نسج فيها على منوال الأمير التتري وفتح بنظمها عهداً جديداً للغة التركية فأقبل الترك على تلاوة الأشعار ونظمها وكان سنان باشا من وزراء محمد الفاتح أيضاً من الذين فازوا