للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أسلوباً جديداً في التعبير عن المشاعر الحقيقية فكان يكتب وجدانه كتابة يخيل لقارئها أن نفساً تخاطب نفسه ومشاعر تتصل بمشاعره فلا يحس بتكلف أو صناعة ولا يسمع غير هاتف نفس الشاعر المحزون، وكان الفضولي له السلطان على القلوب يوجهها كيف شاء إن شاء فاضت النفوس بالحزن وإن شاء طغى السرور على القلب وله ديوان شعر رقيق كما أن له قصيدة عامرة في حب ليلى ومجنونها كما له ي النثر الآثار التي لا تقل عن شعره إجادة وحسن سبك وصفاء معنى وكانت أساليبه تخالف الأساليب المألوفة لدى أدباء العاصمة وهذا هو السبب في قلة من احتذاه ومن معاني الأبيات الآتية تعرف قدر ذلك الشاعر.

أيتها الحبيبة إني لأستقل عداوة العالم أجمع ولا أعبأ بها ما دمت راضية عني، وإني لأستصغر صداقة الأصدقاء بالنسبة إلى حبك، هل تبلغ نكاية الأعداء مني ما بلغه الحب وتباريح الغرام، إن حياتي سلسلة آلام وأحزان وأنا أبداً المعنى الدنف، لقد كنت قبل الحب لا أعلم لذة الوصال ولا أعرف مرارة الفراق ولقد أعماني النوى فلا أرى أشباح الأشياء الواضحة الجلية، ألا ترى أيها القلب نور هذا البدر الزاهي، وأنت يافضولي لو أن جسمك الفاني أصبح تحت جنادل وأحجار فإن معنى الحب الذي ملك عليك قلبك خالد لا يموت، إني كلما ذكرت أيام الشباب ولذات الوصال ذاب جسمي الناحل الفاني الذي بلغت به الشيخوخة باب القبر، وإذ قد حان مماتي فقد آن لك أيتها النفس والطائر المحبوس في قفص أن تكون طليقاً، ما ألذ ظلم الحبيب، لقد وطنت نفسي على تحمل جميع آلامه وشرب كأس عذابه حتى صباته وإذا كان من المستحيل الآن أن أتصل بك أيها الحبيب فحسبي أن أستعرض صور الوصال الماضية، فاستعراضها خيالاً ينبوع سعادة عظيم لي الآن، لقد فاقت أخبار عشقي أخبار مجنون ليلى فأصبح اسمه بي نسياً منسياً.

أما الباكي شاعر القسطنطينية فكان دون الفضولي في المنزلة الأدبية ولكنه مع ذلك فاق سائر من تقدموه، له في السلطان سليمان مرثية خالدة نثبت منها هنا ترجمة منثورة لبعض أبيات استهلها بتوجيه الخطاب إلى القارئ.

أيها المغرور بالدنيا وزخرفها متى تفيق من نومك وتعلم أن الدنيا متاع الغرور، ليكن نصب عينيك ذلك اليوم الذي فيه تفارق الدنيا ولذاتها، لا بد أن تذبل خزامى الربيع وتسقط أوراقه