يعبث بالأخرى بشعر حبيبه الجميل وأنت أيها الساقي لا تن في أن تترع الأقداح واحذر أن تنقصها شيئاً، ويا غصن البان أشرق بوجهك المنير علينا ويا شفاهاً تزري بحمرة الورد أبسمى فإن الزمان يبتسم لابتسامك.
سلم أمورك للقدر ... واغنم أويقات السرور
والحزن لا يمنعك من ... شرب العتيق من الخمور
وإن خمر المحبين ترياق الهموم وراحة النفوس، وقد كان لها من المنزلة في فارس القديمة إن كان يجلها رجال الدين، وإن الخمر مجلبة السرور في مجالس العاشقين، وإنما مثل الخمر إذا صبت في الكاسات مثل ذوب الحديد وقد صهرته النار ولها لمعان الخزامى وهي في كؤوسها الدرية، وإن مثل الخمر في كاساتها كمثل الندى في شقائق النعمان، فاسقنا أيها الساقي من خمر الأمير الهمام وأترع الكاسات فإنا نريد أن نبدد الأحزان واجبنا إلى طلبنا ولا تبخل علينا ببنت الكرم فإنا عشاق معذبون قد برح الغرام بأجسامنا.
ومن مشاهير الشعراء نابي وكان في عصر السلطانين ابراهيم (١٦٤٠ - ١٦٤٨) ومحمد الرابع (١٦٤٨ - ١٦٨٧) وكان في فارس عصرئذ شاعر قدير نحا بالأسلوب الشعري نحواً جديداً مؤسساً على الروح الفلسفية الحكيمة فقلده نابى ونقل تلك الروح إلى التركية، لذلك تجد غالب شعره أدبياً حكيماً فلسفياً وقد احتذى أستاذه الفارسي في بعض الأحيان إلى درجة فقد فيها شخصيته التركية وسار على نهجه من الشعراء المشهورين راغب باشا والشاعر سامي وكثيرون غيرهما.
أما في عصر أحمد الثالث (١٧٠٣ - ١٧٣٠) فقد ظهر نابغة الشعراء الأتراك القدماء نديم، ويمتاز نديم بكونه نحا أسلوباً خاصاً به خالف فيه كل من تقدمه من الشعراء ولم يستطع أحد ممن أتوا بعده محاكاته فيه، ولنديم هذا من الشعر الغزلي ما يسيل رقة وانسجاماً فيه من خفة الروح والظرف والرشاقة ما ليس في شعر غيره من شعراء التركية في أي عصر من العصور، وقصائده مع كونها أظرف وأرشق من قصائد نافع إلا أنها ليست دونها متانة ودقة صناعة وتمتاز عنها بخلوها من التنميق وبعدها عن التزويق ولا يعرف من أمره غير أنه كان من أبناء القسطنطينية وكان أميناً على المكتبة التي أنشأها الصدر الأعظم إبراهيم باشا كما أنه معروف أنه كان حياً لغاية سنة ١٧٢٧ وهاك شيئاً من غزله: