قلت ومن أين لكم هذا القدر والمطر الذي ينزل في كل الجزيرة لا يكفي ذلك قال نرفعه من البحر.
قلت أترفعون ٦٠٠ طن إلى هذا العلو كل يوم؟
قال لسنا نحن نرفعه ولكن المد والجزر يكفل لنا ذلك. ألم تعرف أننا نستخدم المد والجزر أيضاً.
قلت وهبكم تستخدمونه فكيف تدفعون به الماء إلى علو ٦٠٠ قدم فوق سطح البحر في حين أنه متى علا الماء لا يتجاوز ٢٠ قدماً في الارتفاع فابتسم ابتسامة الظافر وقال ذلك أمر هين لأننا صنعنا مخلاً على هيئة زاوية قائمة وأركزناه على عمود متين صلب الدعائم يبلغ قياس ذراعه الأطول ٦٠٠ قدم وفي طرفه دلو من القصدير (التنك) يسع ٣٠٠ طن وذراعه الأصغر يبلغ نحو ٢٠ قدماً ربطت به سلاسل حديدية قوية ووصلت هذه السلاسل ببكرات حديد أيضاً ليسهل تعديلها عند اللزوم وأثبتت تلك البكرات بصنادل قوية ملئت حديداً ومواد ثقيلة. فمتى كان المد ارتفعت هذه الصنادل فارتفع معها الذراع الأقصر وانخفض الذراع الأطول حتى يمس الماء فيمتلئ ولما يأخذ الماء بالجزر تنزل الصنادل بثقلها فيهبط ذراع المخل الأقصر ويرتفع الذراع الأطول راسماً قوس دائرة نصف قطرها مساوٍ لطوله فيرفع الماء إلى قمة الفوهة أي إلى علو ٦٠٠ قدم ثم يصب مابه فيها. ويقتضي للمخل ست ساعات صعوداً وست ساعات في هبوطه وأنت تعلم أن المد يقع مرتين في اليوم فلذلك يدفع الستمائة طن المطلوبة. وقد بذلنا منتهى الجهد في تركيب هذه الآلة ولكنا منذ ركبناها سارت في عملها بنظام مستمر وصارت أمراً مألوفاً لدينا فقلما نلتفت إليها.
وما زلنا نطوف ونحن نشاهد المصانع والعجائب التي ابتكرتها قرائح الإنسان إلى أن أمسى السماء فنزلنا عن الجبل ونحن سكوت كأن على رؤوسنا الطير إلا أن صاحبي الربان قطع وحشة السكوت بقوله ألا ترى إلى هؤلاء الناس كيف هم في خطر أفلا تظن أن الطبيعة تنقم عليهم في بعض الأيام وتقتص منهم.
قلت وهل إلى ذلك من سبيل وهم قد حبسوها كما يحبس الطائر في قفصه وتصرفوا بقوانينها كما شاءوا.