يكون فوق طاقته. ولذلك استخدمنا غيره من القوى الطبيعية كما رأيت فالمد والجزر ينسجان الملابس والبرق يمدنا بالكهربائية والمنطقة التي نحن فيها تثير السحب والعواصف مساء كل يوم فيلعلع البرق ويهزم الرعد. أنظر هوذا الغيم يتكاثف في الأفق والعواصف مزمعة أن تثور. ثم أشار بإصبعه إلى الجو فأراني عدة طيارات صاعدة من كل صقع ومكان من المدينة حتى كادت تحجب وجه السماء ثم قال هذه الطيارات مغشاة بصفائح من القصدير وقد اتصلت بها حبال غطت في مياه قلوية فهي في الحقيقة قضبان صاعقة ولكنها بدلاً من أن تفرغ كهربائية السحب في الأرض نفرغها في بطاريات لنختزنها على أننا لا نجمع الكهربائية من الغيوم فقط بل من البخار أيضاً ألا ترى هذا البركان العظيم. إنه خدامنا المقتدر الذي لم يقم خادم مثله وتلك قمته صافية الاديم لا ينبعث عنها دخان فتظنه لأول وهلة خامداً ولكنه ليس كذلك لأن فوهته الكبيرة التي كانت تقذف حمماً ومواد مصهورة تحولت إلى مرجل كبير تضطرم تحته النار دائماً وقد ملئت تلك الفوهة ماء والبخار الخارج منها يتصل بأنابيب تدبر الآلات والمعامل التي في الجزيرة فتسمع مدى النهار صوت المطارق في المصانع التي تحيط بالجبل والبركان يمدها بالقوة اللازمة ويطرق المعادن أيضاً.
ذهبت مع رفيقي الربان في أحد الأيام لزيارة هذه المعامل وكان ذلك عند الفجر فبلغناها بعد مسيرة ساعتين وسمعنا دقات المطارق تكاد تخسف الأرض. شخصنا إلى الجو المحيط بالبركان فرأينا قبته تضيء كالنحاس المصقول وقد ركب عليها بلبوس يفتح عند الاقتضاء لافلات البخار وجوانب الجبل مملؤءة من الحمم المصهورة والمواد الذائبة التي رسبت عليها من قبل أن تتداخل فيه يد الاصلاح والأنابيب الطبيعية تخترقه من جانب إلى جانب ومنها تفلت المواد الذائبة. ورأينا المطاحن والمطارق والأزاميل تملأ الأغوار والكهوف والصفائح المطروقة توضع على موائد من نحاس. وبعض المطارق كبير يبلغ ثقله عدة أطنان فمتى وقعت واحدة منها على المعادن أثارت شراراً لامعاً وكان المعدن أمامها كالعجينة تكيفه على ماتشاء ومتى أكمل العمل يغط المعدن المطروق في إناء عظيم مملوء ماء فيسمع له أزير وزفير.
ثم أشرت إلى الفوهة وقلت لصاحبي هذا هو المرجل الذي يحول الماء بخاراً فقال لي نعم