أي أنه يختلس بضع ساعات من الزمن اللازم للترفيه عن بدنه من متاعب حمله العظيم.
ولعلكم سائلون ما أحب شيء إلى ذهنه في القراءة، فأقول أنني كلما قرأت أو سمعت خطب الرجل، لا أفتأ استنتج منها أنه هذب أسلوبه من كثرة قراءة الأدب اليوناني القديم فإن أكبر مزايا ذلك الأدب هي البساطة المتناهية وقوة التعبير والوضوح، والوضوح هو لازمة من لازمات البساطة، ولو أنت استعدت إلى ذهنك القطع والمختارات التي آثرت حفظها من الأدب اليوناني القديم وآثرت في فؤادك أشد التأثير وهزت روحك هزاً، لرأيتها أبسط ما يكتب ولألفيتها خالية من التعمل والطلاء وخذ لذلك مثلاً قصة موت سقراط التي وضعها أفلاطون في كتابه فيدو. . . فإنك لا تجد في أضعافها شيئاً من المحسنات، بل هي نهاية في البساطة والوضوح، على أنها تصل إلى أعماق الأعماق من الأفئدة، وكان حدسي هذا وأخذي بالظنة في الأسباب التي هذبت أسلوب الأستاذ ويلسون حقاً وصواباً كما عرفت ذلك من بعد إذ نبأني صديق له أن ويلسون درس جميع خطابات الخطيب اليوناني العظيم ديموستنيس حتى استطاع أن يقرأها في اليونانية بكل سهولة ولباقة كأنه يقرأ في كتاب انكليزي، والذين يذكرون ديموستنيس يعلمون أن أول مزايا خطبه المأثورة هي البساطة المتناهية، بل لقد حدثني من أثق بحديثه أن ويلسون حتى الساعة وهو في وسط متاعبه الرسمية لا ينى يعود من الحين إلى الحين إلى فتح تاريخ ذلك الخطيب العظيم يتلمس من خطبه الوحي ويستنزل منها الإلهام ويتطلب العزاء والحكمة والهدى، وأنا أذهب إلى أن ويلسون استمد أسلوبه العجيب أيضاً من سادات الأدب الفرنسوي وهو أقرب آداب الغرب في بساطته إلى آداب اليونان، وهذا التفاني في الأدب لم يكن وراءه غرض إلا إعداد نفسه للحياة العمومية، وهذا التهذيب الذي كان يستعد به الرجل لم يكن معروفاً للعالم، ولاسيما أهل السياسة ورجالاتها فلما طلب إليه أن يترك هدوء المدرسة وسكون المدرسين إلى ضجة الانتخابات وجلبة الحياة السياسية، ظن الناس أن أمامهم رجلاً جديداً عليها حديث العهد بشؤونها فلم يلبثوا أن عجبوا إذ رأوا إزاءهم رجلاً مدرباً منذ عهد طويل عليها، ويوم كان يدرس ديموستنيس ويعني كلمة الجوامع، لم يكن يقصد بذلك إلى الجلوس في امتحان الجامعات، ونيل نمرة طيبة فيه، وإنما كان يريد من ذلك غاية أكبر ومقصداً أسمى، وهو إعداد نفسه لمنصة المنبر ومواقف مجلس التشريع في ترينتون وواشنطن وإعانته مزية