للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أخرى على أمره، فقد منحته الطبيعة صوتاً أجش عميقاً فهذبه وأخذه بالمران والتدريب في الأندية ولكنه لم يكن يريد أن يكون مغنياً، بل خطيباً مفوهاً، وكان تهذيب صوته، أشبه بتهذيب المغنين أصواتهم لأنه عرف علم ضبط تنفسه عند الكلام ولعل هذا هو السبب الذي جعل صوته، وإن لم يكن جهيراً مرتفعاً يصل إلى آخر رجل في الصفوف المتأخرة من الزحام العظيم في القاعة الرحيبة وجعل كل كلمة ترن في الفؤاد فتأخذ مجامعه.

والآن أصل إلى النتيجة الباهرة من هذا التدريب الذي أعده لنفسه وهو ويلسون في مقعد الرئاسة، فهو في كثير من الوجوه قد أعاد استخدام الطرائق التي سلكها في ولايته على مقاطعة نيوجرسي، وأنقذ الجمهورية الأمريكية العظيمة من كثير من أخطارها الكبرى، وكانت العادة من زمن بعيد أن الرئيس يلقي الكلام إلى المجلس قولاً ملفوظاً - لا خطبة مكتوبة - ولكن لما ولي على الجمهورية الرئيس جفرسون جعل يتلو خطاباته في رق مسطور، ولعل ذلك لأن مقدرته الكتابية كانت أسمى من براعته الخطابية، فاحتذى الرؤساء بعده حذوه وطرسوا على آثاره، ولكن جاء ويلسون فحطم هذه القيود وذهب بأثر تلك السنة ولم يدع بينه وبين نواب الأمة غير قلبه ولسانه.

وهنا أذكر نبذة عن الحياة اليومية التي يعيشها الرئيس ويلسون والعادات التي اعتادها في نظام عيشه، وهي جميعاً مختارة من المعلومات التي كان يدلى بها إلى الصحف طبيبه الخاص - الأميرال جرايسون - ولم يكن لأحد تأثير على ويلسون أشد من أثر طبيبه الخاص، ولما جاء ويلسون إلى الدار البيضاء وارتقى إلى الرئاسة لم يكن على صحة جيدة، وكان ككل المفكرين الذين ينهكون أذهانهم في أعمال شاقة، يعاني مرض عسر الهضم فأكرهه الطبيب على أن يتخذ لنفسه ألواناً من الرياضة، ويختار ضروباً من التلهي والترويح، وكان من ذلك أن اعتاد الرئيس أن يخرج في وقت محدود غير حافل بالجو إذا أمطر أو السماء إذا غامت، أو العاصفة إذا عصفت، فينطلق إلى حلقات لعبة الجولف وهو منذ طفولته ماهر خبير بركوب الجياد ولذا يؤدي أكثر رياضته على ظهور الصافنات، وهو حذر حريص من ناحية طعامه وينصاع لمشورات الطبيب إذا وصف له لوناً من الطعام لا تقبله نفسه ولا يشتهيه، وهو لا يزال يشارك أبناء وطنه وأفراد أمته في الولوع بالحلوى إلى حد خطر، ولكنه استطاع أن يضبط استهتاره هو نا ما، وهو شريب كبير لا