للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأزواج ينفذونها لأقل باعث من هوي أو شهوة مما يسوق الذرية إلى موارد العذاب والأسى.

(ثانياً) لا مشاحة في أن الإنسان يثور بفطرته ضد الأسر والتقييد ويفرح بالحرية ولكنه من وجهة أخرى يخضع للضرورة ويوطن النفس على السيء الذي لا مناص منه ولا موئل، وهذان المبدآن - مبدأ كراهة التقييد والرضا بالواقع الذي لا محيص عنه - إن قلت أنهما متناقضان فهذا حق، ولكن أليس الإنسان إلا خليطاً من المتناقضات ومزيجاً من الأضداد، هذا وإن الضدين من أخلاق المرء لا تراهما في العادة يتحاربان ويمحو أحدهما الآخر، ولكن ترى أحدهما يتغلب على الثاني تبعاً للظروف الخاصة الملائمة له المؤيدة لسطانه، فطبيعة النفور من التقييد وكراهة التضييق تقوي وتستفحل في دور العشق الذي يسبق الزواج لأن العشق بطبيعته عاطفة قلقة نزقة وثابة مملوءة بالأهواء المتضاربة والنزعات المتباينة فهي تنشأ فجأة من تأثير لحظ أو ابتسامة أو ملاحة أنف أو وجنة أو حركة أو جلسة أو خطرة أو من لا شيء ثم تنطفئ وتزول على هذا النحو، فمثل هذه العاطفة تتطلب الحرية قبل كل شيء، أما مبدأ الصداقة والعشرة فهو خلق ساكن هادئ يدبره العقل وتؤيده العادة، وينشأ عن طول الصحبة وتبادل الأفضال والمنن - وهو خال من أسباب الغيرة والظنون والمخاوف، مجرد من طوارئ الغضب والرضا وحوادث الهجر والوصل ونوبات الحميات الباردة والحارة التي يتألف من مجموعها هذا العذاب العذب والألم اللذيذ الخاص بعاطفة العشق، فمثل هذا الخلق الهادئ (أعني الصداقة بين الزوجين) التقييد أكفل باستمراره والتضييق أضمن لقوته وبقائه، فهو لا يبلغ أقصى غايته إلا إذا ارتبط الزوجان بروابط المصلحة والضرورة حتى يتفقا في المقصد ويتحدا في الغرض والغاية، فلا خوف إذن من إبرام عقدة الزواج الأبدي فإنه أوكد لمودة الزوجين إذا كانت متينة من الأصل وأحرى أن يكسبها قوة ومتانة إذا لم تكن كذلك، وكم مشاجرات تافهة وأكدار بسيطة يتغاضى عنها الزوجان اللذان يعلمان أنهما مربوطان بقيد الزواج الدائم، وهي إذا وقعت بين اثنين غير مقيدين هذا القيد كانت مليئة أن تهيج الشر بينهما إلى أقصى درجات المقت والعداوة.