للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

تأثيراً كبيراً في حمل النفوس على تطلب المساواة وأن طبيعة الشريعة تدعوهم إلى القناعة والرضا بما قسم لهم والاكتفاء بما لديهم وعدم التطلع إلى ما في أيدي غيرهم، وهذه أخلاق لا تساعد على انتشار المبادئ الاشتراكية بينهم، وكيف تنتشر المبادئ إذا كانت التربة غير صالحة لغذائها والنفوس غير مستعدة لقبولها.

محا التاريخ الفرنساوي الامتيازات السياسية والاجتماعية التي كانت لبعض الطبقات ومهد السبيل لقيام الطبقات المغبونة ومطالبتها لحقوقها المهضومة وفي سنة ١٨٤٨ نال الفرنساويون عموماً حق الانتخاب وأصبح للعمال نواب في المجالس التشريعية يدافعون عنهم ويناضلون عن مصالحهم ويتطلبون لهم حقوقاً جديدة.

ومما زاد العمال قوة واقتداراً اكتسابهم حقوقاً لم تكن لهم من قبل بل كان القانون يحرمها ويعاقب عليها كحق الاجتماع وحق الاعتصاب، وساعدت المصانع الكبرى على تآزر العمال وتكاتفهم إذ من لوازمها اجتماع عدد كبير من العمال في بناء واحد وكانوا من قبل مبعثرين في أنحاء البلاد، والاجتماع من أهم العوامل الفعالة على نشر المبادئ خصوصاً المبادئ الخلابة.

تسلح العمال بكل هذه الأسلحة الماضية وقاموا في وجوه الملاك يناضلونهم ويحاولون التغلب عليهم وملء قلوبهم الحقد والضغينة على الملاك الذين خدعوهم في الثورة الفرنساوية وحملوهم على القيام معهم في مناهضة الإشراف والقسس، وبعد الثورة اشتغل الملاك بالقوة والمال أما العمال فقد رجعوا بخيبة الآمال، ولا يزال الملاك يخادعونهم ويسوقونهم إلى حروب لا فائدة لهم منها.

ليس للاعتصابات العديدة التي كثيراً ما تنتاب أوروبا أسباب مخصوصة خلافاً لما يظهر للعيان لأول نظرة، وإنما كلها ناشئة عن سبب واحد هو تمسك العمال بمثلهم الأعلى وتطلعهم للمساواة التامة وهم يعتقدون في أنفسهم أنهم أساس الثروة العمومية ومصدر الخير ومنبع الأرزاق وأن كل ما في العالم من متاع وزخرف صنع أيديهم، وإن ثروة الأغنياء آتية من الظلم والسرقة لأن العامل ينتج أكثر من حاجياته بكثير ولكنه لا يأخذ منه إلا القدر الضروري لحياته وما زاد عن هذا القدر يدخل في جيوب الأغنياء ظلماً وعدواناً، فاعتصاب العمال مهما اختلفت أسبابه الظاهرية حركة اقتصادية غرضها الحقيقي انزال