فهذه النباتات بما تفيده للأرض تعتبر ملجا طبيعياً، وينبوعاً عظيماً لإخصابها الذي هو رأس مال الفلاح وأعز ذخيرة عنده.
(٦) إن الحشرات والفطريات تتكاثر وتنتشر بعض أنواعها مع بعض من النباتات دون البعض الآخر فتفتك بها فتكاً ذريعاً كديدان القطن والبرسم والذرة وسوس القصب والحبوب وغيرها فإذا توالى أو كثرت زراعة هذه الأصناف وجدت تلك الآفات البيئة المناسبة لتناسلها وتكاثرها وانتشاهر فيستشرى الضرر منها حتى يصعب تلافيه كما هو حاصل الآن في زراعة القطن فإذا نوعت زراعة الأرض بأصناف النباتات الأخرى لا تجد تلك الآفات الغذاء الموافق لمعيشتها فتضعف وأخيراً تموت.
ويقال مثل ذلك في الحشائش الضارة التي توجد أصناف منها بكثرة مع بعض مزروعات مخصوصة كالحامول مع البرسيم والهالوك مع الفول والدنيبة مع الأرز
فإذا نوعت زراعة الأرض الملونة من بذور هذه الأعشاب المؤذية بأصناف النباتات الأخرى التي لا توافقها فقدت تلك الأعشاب البيئة الملائمة لها فتقل إلى أن تتلاشى في النهاية.
عرف الفلاح أن زراعة الفول مثلاً في الأرض التي كثير الهالوك بها زراعة خاسرة فنوعها بزراعة نباتات أخرى لانوافقه فيختفي إلى أن يضمحل بتاتاً فيمكن العود إلى زراعتها فولاً بنجاح.
ولما يعرف أن زراعة القطن مع فتك الديدان بها هي زراعة متعبة وخاسرة فلو قال الإكثار من زراعته واعتنى بخدمته وإبادة ديدانه أمكنه الحصول من القدر الذي صارت زراعته إليه على محصول أكثر وأحسن وأربح واسهل مما يتحصل له من القدر الكثير الذي كان يزرعه بدون أن يمكنه حمايته من آفاته. وينتفع بزراعة الأرض التي وفرها بأنواع النباتات الأخرى التي اشتدت الحاجة إليها كنبات الغذاء للإنسان والعلف للحيوان.
(٧) إن بعض المزروعات تستدعي كثرة العمل والمصروف والعناية في خدمتها مدة طويلة كالقطن والقصب والأرز وبعضها يكفيه بعض ذلك كالقمح والشعير والفول والبرسيم فإذا كثرت زراعة النباتات الأولى أجهد الفلاح وقصرت وسائله عن آداء الواجبات الزراعية