تنشد المساواة لسبب من اثنين الأول رقة القلب وشرف العواطف والتأذي من رؤية الفاقة والفقر، والسبب الثاني عدم الرضا عن الأغنياء لأثرتهم الشديدة، والسبب الأول هو الحامل على تأسيس المذاهب التي تخالف الاشتراكية وهذه المذاهب وديعة ساكنة لا تنقم على أحد ولا تبغض الأغنياء لأنها لا تري في غناهم ظلماً للفقراء أو سبباً للشقاء وإذن فلا تسعى إلى قلب النظام الحالي بل تحافظ على كيانه وترد عنه كيد أعدائه لأنه كفيل حسب رأيها بإسعاد الإنسانية والصعود بها إلى أوج الرفعة والرفاهية.
أما الحامل الثاني فخاص بالاشتراكية لأن الاشتراكيين لا يطلبون فقط الرحمة وإنما يطلبون النصفة والعدل ويعتبرون الأغنياء قوماً أنانيين.
لم يثروا إلا بإجهاد الفقير واستنفاد قواه، وهم قد استأثروا بالأموال من غير عمل وبدون حق ولا يبذلونها إلا في المفاسد وزيادة الأرباح، ولن تهدأ الإنسانية وتذوق طعم الراحة، ما دام في الأرض فقر مدقع ولا يخيم السلام على العالم إلا إذا حاسبنا الأغنياء لا بالذبح والقتل بل بإلغاء الملكية الفردية التي هي بيت الداء ومظلمة الفقراء.
ومن هنا يرى القارئ أن الركن المادي للاشتراكية وهو إلغاء الملكية الفردية نتيجة لازمة للركن النفساني وإن الاشتراكية ليست بالمساواة فقط بل تزيد عليها بحبها للعدل، ولو كانت الاشتراكية قاصرة على فكرة المساواة لكان من العبث واللغو تسميتها كذلك ولوجب الاكتفاء بلفظة المساواة وتسمية الاشتراكيين بالمتساوين أو طلاب المساواة، على أنها مع ذلك أقرب إلى الحلم اللذيذ منها إلى الحقيقة الممكنة.
إلغاء الملكية الفردية
إن للوصول إلى المساواة في نظر الاشتراكيين طرقاً عديدة وسبلاً شتى منها توزيع الأملاك والأموال على جميع الأفراد بالتساوي وفرض ضرائب ثقيلة على الأغنياء بحيث تكون مانعة إياهم من التغالي في الغنى وتأخذ منهم ما تكدس في خزائنهم من الأموال لتعطيه الفقراء، ومنها هدم الملكية الفردية وتأسيس الملكية الاجتماعية على أنقاضها، وهذا المثل الأخير دون سواه بغية الاشتراكية الصميمة وأمنيتها الوحيدة، وما عداه فمن المذاهب الأخرى.