للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الجائزة الواصفية

نحن نعلم أن الجوائز من شأنها تنشيط الفنون، وتشجيع الصناعات، وتزكية العلوم، ورفع مستوى الآداب، وهذا هو سبيلها في البلاد المتحضرة، وهذا شأنها في ممالك الغرب، ولكن الجوائز في بلدنا هذا أبعث على الفتور، وأدعى إلى الخمول والتراخي والاستيئاس، وأجنح إلى سقوط الخلق، والذهاب بالحياء، وأخلاق ديباجة الوجوه، لأن الذين يستحقونها ويعلمون أنهم مليئون بالظفر بها، وإنها إنما وضعت لهم، ورتبت لفنونهم وآدابهم، يضيعون بجانب الذين لا يصلحون لها ولا حق لهم فيها، ولا قدر يجيز لهم نوالها، لأن الأدعياء والواغلين على الآداب، والدخلاء بين أهل الفنون، لا يعدمون وسيلة تمكنهم من الحصول عليها، ولا تعز عليهم سبيل من تلك السبل الدنيا الحقيرة لأجل التمتع بها واحتكارها وقصرها على أنفسهم، ومن عمركم الله من العلماء والسادة الأجلاء في الأدب يرى هذه الحالة النكراء من سيادة الوسائط والأحابيل والخدائع والوسائل المذمومة، على الفضل والنبل والأدب الناضج، والفن الذي لا يمازجه سقم، ولا يخالطه علة أو مرض، وتنهض همته للإسهام لنوال الجوائز مع المسهمين، ويثب نشاطه لابتكار الشيء الطريف البديع الذي يظفر بالجائزة، ويأخذ بضبع المنحة أو الهبة ولذلك ترك الأدعياء وشأنهم يتوسلون ويمسحون الجوخ ويتشفعون ويبذلون ماء الوجوه ويتحككون بأصحاب الجوائز والذين قرروا المنح ورتبوا الأعطيات والهبات، ففاز بالجوائز من لا يجوز لها، وظفر بالمنحة من لم يمنح من مواهب الله ونعمه على عباده ما يجعل له حقاً في نوال أو عطية، ولذلك لم تحدث الجوائز في مصر إلا سوءاً وشناعة ولم يكن منها إلا أن استعلى الأدعياء على أهل الفضل، وكثرت جنود السوء على جنود الخير، وراجت البضائع المزجاة والتجارات العفنة الخاسرة، وكسدت الصالحة ونامت الطيبة الممتعة.

هذه هي الجائزة الواصفية، جائزة من الجوائز المقررة في كل عام - مقدارها عشرون جنيهاً - لخير كتاب يخرج للناس وأبدع سفر ينشر بين القوم، فهل تعلم من الذي ظفر بهذه الجائزة من يد سعادة حسين واصف باشا في هذا العام - ظفر بها عبد الحليم المصري، وبم استحقها - بديوانه - وهذه ولا ريب فضيحة من الفضائح الأدبية التي تسجل على تاريخ الآداب في مصر هذه السنة، وشناعة وإثم عظيم لأن الاعراف بأن ديوان المصري خير