للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

كتاب أخرج للناس في سنتنا هذه دليل قاطع على أن هذا البلد أخرس أصم لا أدب فيه ولا كتاب ولا شعراء ولا تفكير ولا نهضة ولا رقي، لأن شعر عبد الحليم المصري لا يزال شعراً فوق البيعة وشعراً أخلق أن يسمى نصف سوا إذ لا نضوج فيه ولا مادة مغذية، ولا يسمن ولا يغني من جوع، والشاعر عبد الحليم لم يظفر بالزعامة على الشعراء، ولم يقل أحد بأنه شاعر إلا مجازاً واستعارة وتسامحاً، وكان خيراً لنا أن لا نصرف هذه الجائزة في هذا العام ولا ينالها من نالها، ونقول جهرة بأن هذا العام كان مقفراً من الكتب خلواً من الأسفار الجديدة الممتعة، وإننا لم نفكر عاماً كاملاً، ولم نكتب ولم نؤلف ولم نعرب ولم تخطر لنا خواطر، ولم تتلجلج في صدورنا نزعات وآراء من أن نقول أن أحق بها فيه ديوان من الدواوين الإضافية المسكينة التي لا رائحة فيها للشعر المتين المفعم بالمعاني السرية والخواطر الطيبة النافعة، والأمة التي يظفر بإكليل الغار في تاريخ الآداب فيها لعام كامل مثل شاعرنا عبد الحليم، يجب أن تبكي نفسها وتأسى على أدبها وتفكيرها وكيف يكتب الكتاب الحقيقيون، وكيف يضعون التواليف الفاضلة والأسفار الطيبة، في بلد يظفر فيه بالمال الوفر والجوائز السنية، والأختام الماسية والذهبية مثل الشيخ القصرى وعبد الحليم المصري وإضرابهما، وتقام الحفلات الحافلة والأسمار الكبرى لسماع أدبهم وأشعارهم، لعمري أنها لمعرة للأدب العصري، وفضيحة من أكبر فضائحه.

ثم ألم يكف السيد عبد الحليم أن ديوانه هذا قد طبعه على نفقته أحد كبار المثرين ثم زاد على ذلك أن وزعه على جميع بيوت الأغنياء وقصور الذوات والأعيان وألقاه في كل مغنى من المغاني وفي كل دار من دور الأكابر والمترفين والأسامي النبيلة وأهل الألقاب الضخمة، وظفر بثمنه منهم أضعافاً مضاعفة ونال على أتعابه أموالاً طائلة، حتى يجري وراء الجائزة الواصفية، ويدحلب لأجلها ويوسط الناس في سبيل الحصول عليها، ويقنع الباشا الكريم أنه أحق إنسان بها، ويقبض على العشرين على عينك يا تاجر بلا خشية ولا خجل ولا اتقاء لله في هذه الأمة التي أعطته أكثر مما يستحق.

وعلى هذا القياس لا يسعنا إلا أن نعد حسين باشا واصف أكبر عليم بفنون الشعر، نقادة به بصير، فقد وضع نفسه موضع نابغة ذبيان في سوق عكاظ واستعرض جميع الشعر والقصيد الذي ظهر في هذه السنة فلم يجد غير ديوان المصري أحق بجائزته وأجدر بنوالها