للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والتنعم بها، فهنيئاً للظافر بالجائزة، وتهنئة للباشا الهمام على تقلده وظيفة الحكم الأكبر في شعراء الأمة.

نحن لا نحسد عبد الحليم المصري على ما أوتي من براعة أساليبه العديدة، ولا نريد أن ننافسه فيه ونعارضه ونزاحمه، فتلك أرزاق يمنحها الله لمن لا يستحقونها، ولا شأن لنا في محاسبة الله، وإنما نخشى على هذه الأمة أن تتفشى فيها بعد الحمى الإسبانية حمى الملق ومسح الجوخ، فتذهب بأقدار الكفاءات وأهلها، ويصبح أشد الناس ملقا، أظفرهم بالخير وأملأهم بالذهب والمال جيوباً.

مصاب آل المهيلمي

كثرت الوفيات في بلدنا هذا منذ أيام، وذهب إلى مساكن الفناء فيمن ذهب من الناس أفراد من كبار الأمة وأعيانها، والنافعين من أهلها، واغتال الموت في وسط هذا التزاحم على الأبدية والتنافس على التلاحق إلى مضاجع الآخرة طائفة صالحة من القوم الذين كنا بهم أعزة، وكنا سعداء بوجودهم في وسطنا، وتألقهم في سماء الحياة المصرية، ومنهم التاجر النافع، والأريحي العظيم، وذو النفس الكريمة، والإحساس البار المحمود، والغني الممتلئ حياة ونشاطاً وفتوة ووجداناً، والكهل الناهض بعمل مفيد، والمؤدي الخدم الجليلة، وعميد العشيرة الكبيرة، ورب الأسرة التي لا نصير لها سواه ووالد إلا صبية الذين لا حول لهم في الحياة إلا حوله، ولا عزة لهم إلا به، والشيخ الصالح الذي كان رأس القبيل، وزين إلا كليل، ووقار المجالس، وهيبة الأسمار، حتى لم نكد نفرح بعقد الهدنة، ونبتهج بعود السلام إلى العالم، وقتل شبح الحرب الشنيعة، وتنفس الصعداء، والسكون إلى الحياة بعد ما شقت وصعبت وكاد المرء يتلمس منها خلاصاً، حتى دهمتنا هذه الداهمة العظيمة، والكارثة المرعبة، فأمسكنا عن الفرح، وراح في كل بيت بكاة يبكون حول مريض، وحادون يلبسون السواد على فرد نافع، والقوم مشيعون بعضهم بعضاً إلى المقابر، واجفون إذا وضعوا أيديهم في أيدي صحابهم مصافحين محيين، مرعبون إذا ألفوا رجلاً بينهم يسعل، أو أحداً منهم يرجف أو ساخن اليد دافئ الحرارة، وبات الناس على جزع، وأصبحوا على خشية وفرق، فقل الابتهاج بالسلام، والفرح للصلح، ومضى الناس في شغل بمرضاهم وموتاهم وهلكاهم عن الشؤون التي كانوا لا ينشغلون لحظة عنها، ولا يتركون التحدث بها والمناقشة