وأنوفها، ولقد غنيتها دورين فظهر السرور عليها بكل معالمه.
وإذ ذاك أقبلت الطفلة وأخوها الأكبر، وكانت الطفلة تمشي منتفخة زهو وخيلاء لأنها ذهبت بالأمس إلى لندن لأجل فحص عينيها، وعادت بنظارة فوق عينيها، وقد ظلت طول يومها تضع المنظار فوق عيني عروستها الخشبية وتنظر إليها نظر الطبيب إلى العليل، وكانت قد أصرت على أن تصطحب العروسة معها إلى لندن ولكن لما نبئت أنه لا يليق أن تأخذها مكشوفة ظاهرة للعيان، أبت إلا أن تكون في سفرها، ولو توضع في صندوق، فكان ما أرادت، ولكنها عندما عادت من سفرها، وسئلت رأيهما في لذة السفر قالت لأمها: لقد كان والله سفراً لذيذاً، وإن كانت عروستي محبوسة داخل الصندوق، ولم تشم الهواء مطلقاً وقد تخيلت الطفلة منذ زمن أقارب وأنسباء وسلالة وعشيرة للعروسة، وابتكرت لها عائلة وأسرة، حتى لقد أخبرت أمها أنها قد تزوجت، فارتعبت الأم وسألتها أن تشرح معنى ما قالت، فلم تزد الطفلة عن أن قالت نهم يا أماه لقد تزوجت شقيق ريجلي عروستي وظلت بعد ذلك تمشي الخيلاء مراحاً وبهجة، مشي الفتاة العروس في الأيام الأولى من زواجها.
وقد لمحت في الصور السابقة إلى آثار الطبيعة انسانية الأولى التي تنم عنها هذه الأخلاق التي ظهرت في هذه الطفلة والأدوار التي تقلب فيها الجنس البشري، وهنا أزيد عليها دوراً آخر يزيد حيرة العلماء ويثير فيهم الدهشة، وهو دور التقليد والمحاكاة والتمثيل ذ ترى الطفل في ذلك الدور من حياته يقلد أشياء كثيرة ويدعي مظهر حيوانات مختلفة ويجد في ذلك ويؤديه برزانة ويقوم به لا عن هزل أو مجون، وإنما حقيقة وجداً ويحب التمثيل ويتقن الدور الذي يلبسه، فتجد دمبلس يقول: أنا الكلب كروسو! فيأخذ أخوه عنه قضية مسلمة ويصدقها منه فيقول: جر العصا يا كلب! ثم لا يلبث كل منهما أن يفهم روح صاحبه، فيعارضه في أمره وينتقد وجوهها من ضعف تمثيلية، إذ يقول لادي الأكبر: أنا ثعبان ثم يظل على شخصيته هذه ساعات طوالاً، فلما عسعس الليل، وحان موعد النوم، سأله أخوه: كيف إذن تنام في الفراش يجب ان تنكمش وتلتف وتستدير.
وقد يتعب الطفلان من إطالة التمثيل والتقليد ويتبينان حماقة أمرهما ويدركان الروح المجونية فيها، فيضجان بالضحك، ويرتفع الصوت من كل منهما عالياً شديداً، ولكنها عادة أشبه في ذلك بالقضاة جداً ورزانة إذا أرادا التقليد.