وقد حدث ذات يوم في أوائل الحرب أن رأت الأم طفلها الأوسط واقفاً وقفة جلال وعظمة وأبهة وزهو وكان قد اعتاد في كل يوم أن يتخذ شخصية إنسان يختارها من بين الشخصيات المعروفة في التاريخ فلم يسع الأم إلا أن سألته قائلة: من أنت اليوم يا عزيزي. فأجابها الطفل على الفور: أنا الإمبراطور! فصاخت أمه مرعبة، لك الله. وكيف تقول ذلك يا بني فلو سمعك والدك الآن لغضب أشد الغضب، فلم يكن من هذا الإمبراطور إلا أن قال: أبي!. . . ليس أبي إلا رجلاً إنكليزياً من عامة الناس.
وكثيراً ما يغلب الأطفال الميل إلى انتقاد الكبار ويعتريهم الجنوح إلى التعريض بهم والقدح في أقدارهم. فقد سأل يوماً أحد الزوار الخلطاء دمبلس: ماذا تريد أن تصنع في الحياة عندما تكبر؟، فأجاب الطفل: لن أفعل شيئاً وسأكون في ذلك كأبي!!
فإذا أنت أردت أن تدرك الغرائب التي يحدثها ذهن الطفل، وتدرس عجائب خواطرهم، فعليك بكتاب حافل بالصور التي تهتاج الخيال ثم سل الأطفال عنها ورأيهم فيها، فإن لوالد هؤلاء الصبية تاريخاً مصوراً عن العالم القديم والأجيال الغابرة، وهذا الكتاب فرحة الأطفال وأستاذهم معاً، إذ يجلس ثلاثتهم في دائرة يحملقون الأبصار في الصور ويحاولون إدراك معانيها، على حين يجلس الولد وراءهم في مقعده، مدعياً أنه أعلم منهم بها، وأكثر معرفة بأسرارها من أطفاله.
وأنشأ أبوهم يسألهم: احزروا ما هذا! وكانت أمام أعينهم صورة قبر من القبور التي يصنعها أهل الأدوار الحجرية من عهد الإنسان الأول، فيب وسطها عظام وحولها أواني.
فظل الأطفال يمعنون في النظر إليها يوتفرسون في معارفها، وانبرى دمبلس فقال: هذا جوف فيل أكل إنساناً وهذه بقايا الجثة في أمعائه.
فرد أخوه عليه يعارضه فقال: الفيلة لا تأكل بني آدم إنما تأكل الأرانب. وقال الطفلة، وكانت قليلة الكلام، فإذا تكلمت فإنما تقول عن نية وقرار وتبت رأياً قاطعاً وقد يكون في أغلب الأحيان الحق والصواب: هذه أواني!
فلم يجد الوالد مناصاً من أن يشرح الأمر فيقول نعم هذه أواني يا بني هذا إنسان مات ودفن وهذه الأواني وضعت حوله لكي تكون معه في الآخرة لينتفع بها ويستخدمها إذا شاء، وكانت هذهفكرتهم في تلك الأيام!