ثم قلب الأطفال الصفحات فاستقرت أنظارهم على صورة من صورها.
قال دمبلس: هذا طفل آدمي يرتضع ثدي أمه فقال الوالد أجل هذان روميولاس وريماس، مؤسسا مدينة رومة العظيمة، وكانا في طفولتهما قد فقدا ثدي الوالدة فجعلت ترضعهما ذئبة.
قال دمبلس: يا للذئبة من أم جميلة. تصوروا أن نقول صلواتنا في العشي إلى ذئبة! إنها لا تكون إلا صلاة وحشية. فاستطرد الوالد في شرحه فقال: ولكنهما مع ذلك نشآا قويين ولم يلبثا أن أسسا مدينة فتحت العالم بأسره.
قال دمبلس: إلا إنجلترة بالطبع
فأجاب الوالد: بل وإنجلترا كذلك.
فلم يكد يسمع الثلاثة هذه العبارة حتى صاحوا معها صيحة احتجاج قائلين أوه لا يتقل هذا يا أبي!.
وأردف لادي وهل كان هذا يليق يا أبي!
فأجابه أبوه: لقد كان في ذلك الخير كله لإنجلترة. لقد كنا يومذاك قوماً همجاً متوحشين فجاؤوا لتهذيبنا والآن ما هذه الصورة يا أولادي!
وكانت الصورة الأخيرة والحق يقال لغزاً من الألغاز إزاء هؤلاء الأطفال فقد كانت صورة عراف من قدماء المصريين وقف يتلو نبوءته أمام صف من الجند وهم وقوف رافعي الأذرع.
قال الطفل لادي: هذا رجل واحد يلاكم ستة!
وأصدر دمبلس قراره فقال: هذه امرأة وستة رجال يريدون الزواج بها!
ولم يكن من الطفلة إلا أن هزت رأسها المتجعد وقالت: عساكر!
وكذلك جعل الأطفال يحدسون ويخمنون، كلما قلبوا صفحات الكتاب بين أيديهم، وكانوا في ذلك أشبه شيء بآخر الأكمام الجديدة في نهاية أحدث الأغصان في شجرة الحياة العظيمة وكانوا في ذلك الكتاب ينظرون إلى ما صنعت تلك الأزاهر القديمة الغابرة التي طلعت فوق الأفنان الماضية التي أبلت وذوت منذ أقدم عهود الزمان، وستثمر أيضاً هذه الأكمام وستذوي وتذهب ويجيء بعدها غيرها يبعد عنها بعد بابل عنا فتحملق وتنظر إلى هذه الأكمام وتسخر منها وتضحك إذ تتراءى لها في كتب التاريخ وصوره ولوحاته رسوم