واعتصموا عنه بأجمل العزاء، ولكن هناك قليلين من الخلائق المعذبة الطاهرة الأذهان البريئة النفوس، البلهاء الضعاف القلوب أولئك الذين لا يستطيعون صبراً، ولا يجدون تجملاً بعزاء، أولئك الذين يصرخون في أثر سعادتهم الضائعة وهنائهم الزائل، ويرفعون الأذرع طالبين قطعة الحلوى التي منعت عنهم متوسلين جازعين لهفى على تلك الفاكهة الصغيرة التي حرموا منها.
من هذا الفريق الأخير كانت شيلا سورسيل لها ذهن طفل، وقلب وليد، وكانت تعمل أنها حسناء، وكانت بما تعلم فرحة، وكانت بحسنها جذلى مبتهدة، وكان لهوها أن تقف ساعات أمام المرآة تطيل في وجهها وتقصر، وتبتسم لصورتها، وتقطب، شأن الطفل الصغير، فإذا أغضبها شيء من معارف وجهها أو بزتها، ونفضت خيوط قبعتها، فإنما كان ذلك منها لأنها كانت وهي طفلة غضوب، تعض أناملها، وإذا غنت فرحاً واغتباطاً، على مشرق الشمس ومطلع ذكاء من خدرها، أو إذا مس لج البحر عند الشاطئ بدنها الناعم يوم الاستحمام فكذلك كانت في طفولتها الأولى، حتى لقد أصبحت وهي في التاسعة عشر على طفولتها التي كانت تنم عنها وهي في العاشرة.
فإذا كان هذا أمرها، وتلك خليقتها، فلا عذر ولا شفيع لأبويها أن يفارقا الحياة في مبتكر عام ١٩١٤ ويرحلا يداً في يد إلى عالم الأرواح، ويتركاها وحدها بلهاء كأشد ما كانت بلاهتها وهي وليد تدرج في البيت.
ولقد كان الثلاثة ينعمون بالسعادة لا تفوتهم فرصة تستطيع أن تجعل الحياة أسعد وأبهج إلا أدركوها واستقبلوا سوانحها، ولكن لم تلبث فجأة بلا نذير ولا إعلان ولا نبأ، أن نكست أعلام السعادة، ولم يبق للفتاة شيلا إلا قلب معذب ودار قفراء وموقدة لا عشيرة حولها، وحساب ثروة طيبة في المصارف.
ولما كانت تجهل ماذا تصنع بهذا التراث، ولا تدري ماذا تفعل بهذه التركة أوت إلى فندق في مدينة يورتموث، وانطلقت تبحث عن السعادة التي فقدتها.
والأقدار دأبها أن تردف النكبة بأخوات لها، وتجيء بنوائبها متلاصقة متسابقة، إذ ما كادت شيلا تحس أن أحزانها قد بدأت تزول، والأسى يخف، حتى فكرت الأمم أن تعلن الحرب وتنادي بالقتال.