فلم تدرك شيلا شيئاً عن الحرب، ولم تفهم المعنى الذي وراء هذه اللفظة، وإنما حسبتها مسألة من مسائل الصحف والجرائد، على أنها أسوة ببقية الإنسانية شعرت بتلك اليد الباردة التي مست قلب أمتها في خريف عام ١٩١٤.
وكانت شيلا إلى ذلك العهد لا تدري شيئاً كثيراً من طبائع الإنسان، ولكن الآن جعل هذا المخلوق يبدو لناظريها في منظر جديد ومظهر غريب خطير، وعلمت إذ ذاك أن الشقاء والاضطراب والأحزان قد هاجمت العالم، واحتشدت في الأرض، ولما لم تجد ذراعاً رحيمة رؤماً تفزع إليها وأحضان أم حنون تهبط فيها، جعلت تنظر إلى الأسى الذي حولها صعقة آسية حزينة على أنها لم تلبث أن شعرت بشيء من التسخط وأحست روح التذمر تجول في صدرها، إذ شعرت بأن الحرب قد أساءت إليها ولم تسيء هي إلى احد من أهل الدنيا وأن الحرب قد جارت عليها واعتسفتها بدون ذنب ولا جرم. ورأت أن لا دخل لها في الحرب ولا يد ولا سهم ثم هي قد مست حياتها وجرت عليها ذيولها المظلمة وامتزجت بعيشها وتغلغلت في ثنايا روحها.
وكان في فؤاد شيلا سوريل نبعات عميقة من نبعات الإحساس والشفقة والرحمة، فلما لم تجد أحداً تفيض عليه من أنهار تلك النبعات، وأمواه تلك الإحساسات، أفاضت بها على نفسها وخصت بها ذاتها فأثارت فيها طائفة من الآلام والهموم، فكان تطوف وتهيم وحيدة معتزلة في بستان الفندق ودروب حائطه وتراضي البحر وعينها ندية بالدمع ثرة بالعبرات.
وأنت تعلم أن كثيرات من النساء يقبحن بالدموع، ولا تحسن في عيونهن العبرات ولكن البكاء كان يلوح جميلاً في عين شيلا سوريل، وكانت الدموع تحسن لديها وتروع وتبدو فاتنة جليلة المظهر، وكانت تلك النقط المريرة الأجاج إذ تنحدر فوق وجنتيها المتوردة وتتحير في خدها المستدير الرخص الناعم تجعل منها صورة حسناء تفتن عواطف الإنسان وتثير أجمل وجدانات القلوب. وكان هذا على الأقل رأى الفتى النبيل إزلي وتوكر الضابط برتبة الملازم الثاني في فرقة الهايلندرز، فقد كان هذا الضابط الفتي الحمي الرقيق العاطفة ينسل فوق عشب الحديقة تحت شجيرات الزنبق يحفظ كتاب القوانين العسكرية. فقد كان في ذلك اليوم بعينه قد ألقى تهمة من التهم على جندي من الفرقة، لا أساس لها من القانون، فانتهز قائد جماعته هذه الفرصة لتأنيبه واستحثه على أن يستبدل كتب الأدب التي فتن بها