للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

بفرح وزهو.

وفي جلسة الفطور غداة الغد كان وجه شيلا مشرقاً بجمال عجيب لم يكن له من قبل حتى لم يستطع لزلي أن يمتلك جأشه فأمسك بيدها واجتذبها إلى صدره فأسقطت حركته تلك فنجان القهوة فوق الثوب الجميل الذي كان تشتمل به فجرت شيلا إلى الحجرة لتغييره وعدا هو في أثرها لمساعدتها ولم يكن بين العروسين عتاب ولم تحدث ملامة، بل جعل يكرر إنه أمر عجيب، إنه لأمر عجيب.

ولكن هذا العجب لم يذهب يومذاك بل مضى أياماً وظهر سره بعد أيام العسل، وجاءت الأحداث بما كان له شارحاً مبيناً.

واستأجر لزلي بيتاً صغيراً لفتاته فوق الرابية، وجعل على ختام عمله ينطلق إليها مسرعاً متعجلاً، يكاد يصل إليها على جناح البرق.

وفتن فؤاد شيلا أنها أصبحت سيدة بيت وربة أسرة، وحسبا أن الحرب خير ما يبتغى، وحمدا لها الفرصة التي جمعت بينهما ولم يذكرا بلاءها ونكباتها ولم يجدا فيها سوءاً ولا شراً.

ولعل الحرب غضبت إذ رأت منهما هذا الاستخفاف، واستنفرتها هذه السخرية فأرادت أن تعلن لهما عن خطورتها وهولها فأوعزت إلى وزارتها أن تأمر الفرقة التي فيها الضابط لزلي بأن تخف الرحال إلى المشرق.

فذهب لزلي برأس مذهول وذهن مشتت، وقلب واجف، يحمل إلى زوجه هذه أنباء، فبكت من كل أعشار فؤادها، وتشبث الزوجان بنحرهما وأنساهما هذا أحزانهما شأن العشاق والأحباب.

وأعطى لزلي صورته الشمسية إلى شيلا. ووهبته هي صورتها. وكتب هو في ذيل صورته ما أملى عليه الحب، وخطت هي تحت صورتها ما أوحى إليها الفؤاد وفي ليلة ضربت للفراق وكان غداها طالعاً بالبين تعانقا أشد العناق، ولم يتكلما كلمة واحدة، وخرير أمواه البحر يضج عن كثب. والرياح تئن والمطر يعول ويتنفس فوق النافذة.

بين جموع القواد والضباط، وعلى صفير القاطرات، وزحام الأفاريز، اجتذب الفتى لزلي زوجة جذبة الوداع الأخير.