للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وبكى الزوجان وشكرا الله أن أنعم عليهما بنعمة الدموع، وأرسل عيونهما تسح أحزانهما سحاً، وعلى مقربة منهما وقف ذلك القائد المشرف على الفرقة، يودع امرأة دميمة، وكثيرون آخرون وقفوا يخفون وجوههم وراء الصحف وقطع الجرائد وقد علمت الحرب الجميع أمانة الدموع، وإخلاص العبرات.

وقال لزلي وهو يختنق: إلهي. . أواه. . يا عزيزتي.

وقالت شيلا: لا تذهب. .! لا تدعني.

ولكن لم يلبث أن ارتفع صفير القطار. وبدأت القاطرة تتحرك وفي لحظة انطلق وعادت شيلا فارغة الفؤاد مسرعة إلى المحطة. وحيدة مرة أخرى!

وهاهي الطفلة قد أكلت من قطعة الحلوى، ثم قطعت عنها الآن وحرمت من طعامها. .!

وعادت شيلا عن ذلك الفرح العظيم الذي كانت تنعم به إلى عذاب الوحدة وغمة العز، وآلام الاكتئاب، ورأت صواحبها الفتيات في شغل بعواطفهن وآلامهن عن مؤاساتها، فأحست بثقل الألم وحدها.

فلما اضجعت في السرير الذي كان قد وسع بدنين وضم جسمين، أدركت أثر الوحدة، وجعلت تسائل النفس حزينة ماذا كان من القدر ومنها، ولم تجد في تلك الألفاظ التي قيلت لها، وهي دواعي الخدمة وأوامر الحرب، شفيعاً لظلمها ومعاذير للأسى الذي نالها.

كان ليزلي بطبيعته الجندية، رجلاً لا يجيد التراسل، ولا يعتمد على بلاغة البيان في إنشاء الرسائل ولم يكن أديباً ولم تكن صنعته الأدب والبديع، وقد كتب إليها كثيراً، ولم يتأخر ولم يهمل، ولكنه لم يصب شيئاً من فن الإبداع، ولم تكن له مقدرة على أن يرسم شخصيته والعواطف الثائرة في صدره فوق الورق.

وأخذت شيلا الحنين إليه، وتطلعت روحها إلى رؤية روحه في رسائله، فلم تجد أثراً وجعل الحنين يزداد كلما انصرمت الأسابيع وأصبحت أشهراً.

ولم تكن المدة التي لبثاها معاً في جناب الحب وعهد الزواج تزيد عن ستة أسابيع وكانا فيها في أحضان كل منهما وكانا قريبين متلاصقين فلم يستطع كل منهما أن يدرك أسرار نفس صاحبه.

فلم يكد يحول الحول على الفراق، حتى فقد لديها شخصيته، وأصبح ذكرى مرتبكة حلوة