ولولا ذلك لظلوا في حمأة الهمجية مرتطمين ولم يسموا إلى هذه الأخوة الرفيعة التي ينادي بها الإسلام ويعمل عليها وينفذها إنفاذاً.
وقد أساء المسيحيون الحكم في أمر مؤسس هذا الدين وتكلموا عنه بما هو غير لائق، وقدحوا في حقه، فقالوا عنه مارق، وزنديق، وذكره دانتي في جحيمه فعده كافراً، وآخرون قرفوه بأن دينه مأخوذ من التلمود ولكن يلوح لي أنه لا يوجد ثمت تعريف أوجز أو خير من ذلك التعريف الذي تقدم، وهو أن الإسلام هو الدين الموسوي الحر الخالص من الشوائب والمسيحية المطهرة من تعاليم بولص. وهذا من الناحية النظرية. أما من وجهته العملية فهو ولا ريب أسمى من المسيحية بجميع الحضارة الغربية في هذا العصر.
إن كل مسلم معبد قائم بذاته، ولكل مسلم الحق أن يدلي برأيه في أمور الدين بما يتفق والعقيدة العامة لأهل دينه، ولم يكن المسلمون يوماً عبيداً للقساوسة أو غيرهم من رجالات الدين، وهم يعبدون الله بلا وسيط، ويرفعون إليه الدعوات بلا سمسار، ومكان صلواتهم وعباداتهم أي درب من دروب الأرض وأي فج من فجاج الدنيا يثقفون به إذا آذنت مواقيت الصلاة.
ولعلمائهم كذلك والزعماء الدينيين فيهم أن يشتغلوا بصناعاتهم ويحترفوا الحرف ويسعوا لاكتساب أرزاقهم من وجوه العمل، ولا يوجد شيء بينهم يسمى (بابا) بل يستطيع أي رجل عادي من عرض القوم أن يقول على رؤوس الأشهاد (بإسلامي نفسي إلى إرادة الله أنا ممثل هذا الدين الذي كان محمد نبيه) ولذلك ترى السواد الأعظم من المسلمين في بقاع الدنيا كلها لا هادي لهم ولا مرشد إلا الإيمان العميق في حبات أفئدتهم، وهم السنيون أهل الجماعة، وذلك تمييزاً لهم عن الطائفة الخطيرة الأخرى وهم الشيعة الذي يعتقدون أن محمد وىل بيته وذريته معصومون على أن محمداً نفسه لم يدع العصمة، بل تنزل عليه الوحي يوماً مؤنباً لائماً عاتباً، إذ تولى عن رجل أعمى وكان في مجلس جماعة من سروات القوم، فنشر هذا العتاب بين الملأ وأعلن الوحي، ولو كان محمد أخا خداع كما يسميه الجهلاء من أهل المسيحية لما فعل ذلك ولما أعلن النبأ.
أما من ناحية مظاهر المسلم والفرائض التي يؤديها من صلاة وزكاة وصيام وحج فإن في كتب الدين منها الشيء الكثير وفي الكتاب مبادئها وأصولها، فأما الصلاة فشعارها (النظافة